دفعة جديدة للتطرف
صادق ناشر
حدث ما كان متوقعاً، لم يتردد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ولم يعد حساباته كما كان يراهن عليه كثيرون بشأن الاعتراف بالقدس عاصمة للدولة العبرية، وقرر نقل سفارة بلاده إليها، وأعلن عن بدء الترتيبات لذلك، متجاوزاً بهذه الخطوة كل النداءات والتحذيرات التي أطلقها قادة دول العالم إسلامية وغير إسلامية من سلبية القرار وتأثيراته، لأنها تفتح أبواباً من الجحيم في المنطقة وعلى مصالح الولايات المتحدة نفسها.
وعلى الرغم من أن ترامب ظل منذ وصوله إلى البيت الأبيض يطالب بضرورة محاربة الإرهاب والتطرف، إلا أن القرار المثير للجدل الذي اتخذه الأربعاء، لن يزيد التطرف إلا نفوذاً وتوسعاً أكبر، وعلى هذه القاعدة، سيكون العالم أمام عاصفة جديدة من الإرهاب، الذي سيتكئ على القرار الأمريكي وسيجد فيه ضالته في نشاطاته.
من يغذي التطرف؟ مثل هذه القرارات غير المدروسة، ستكون زاداً للمتطرفين لأن يزيدوا من نشاطاتهم، فقد وفر لهم القرار فرصة ذهبية لصب مزيد من الزيت على نار الأزمة القائمة، وسيبلع الكثير ألسنتهم لما سيحل بالمنطقة من أعمال إرهابية، فقد كان العالم بدأ يضغط باتجاه محاصرة الإرهاب والتطرف على طريق هزيمته بشكل نهائي وكامل.
صحيح أن القرار لم تتجاوب معه سوى «إسرائيل»، إلا أن تأثيراته ستكون أقوى مما يتوقعها الأمريكيون و«الإسرائيليون»، خاصة وأن الإجراء الأمريكي وضع في أيدي المتطرفين أوراقاً جديدة، سيستخدمونها في المزيد من أعمال الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط، التي لا تنقصها الأزمات الممتدة إلى عقود، وسيكون العالم بأسره أمام تحدٍ من نوع مختلف هذه المرة.
العالم بأسره، باستثناء «إسرائيل» شجب الخطوة الأمريكية، التي تشير إلى أنها مقبلة على عزلة دبلوماسية، فهي لم تضع اعتباراً لا لحلفائها ولا لأصدقائها، وقبل كل ذلك لمصالحها في المنطقة، التي أصبحت مهددة بفعل القرار الأحادي الذي اتخذته، والذي يقضي فعلياً على فرص السلام، ويجعل الولايات المتحدة وسيطاً غير نزيه في أي مباحثات ستتم الدعوة لها.
تخسر الولايات المتحدة أكثر وأكثر، وتتآكل مصداقيتها مع مرور الوقت، وتقدم نفسها حليفاً غير موثوق فيه، والسلام الذي كان الرؤساء الأمريكيون يحاولون إحياءه بطريقة أو بأخرى جاء من عمل على هدمه بشكل كامل؛ فالرؤساء السابقون لم يتجرأوا على فعل ما فعله ترامب لقناعتهم بأن خطوة كهذه من شأنها أن تعيد مسارات السلام إلى نقطة الصفر.
قدم ترامب على طبق من ذهب خدمة إضافية للمتطرفين ليزيدوا من إرهاب العالم انطلاقاً من منطقة الشرق الأوسط، بعد أن كان العالم على وشك القضاء على التنظيمات الإرهابية مثل «داعش»، الذي انحسر نفوذه في كل من العراق وسوريا بشكل كامل بعد الضربات الموجعة التي وجهت له من قبل أطراف عربية وإقليمية ودولية عدة، وبالتالي ستجد هذه التنظيمات بقرار ترامب طوق نجاة يعيدها إلى الواجهة مجدداً، لتوظف قرار ترامب في الاتجاه الذي يخدم مشروعها لتخريب المنطقة وإعادتها إلى مربع الخوف من جديد.
sadeqnasher8@gmail.com