إعلان ترامب ونكسة القدس
علي قباجه
ترامب أعلن حربه على القدس، وضرب عرض الحائط بالحق الفلسطيني الثابت، وتنكر لتاريخ طويل مرت به المدينة. ويبدو أنه لم يستقرئ التاريخ، ولم يلاحظ الكم الهائل من الغزاة والظالمين الذين هلكوا على أسوارها، وكانت صخرة صماء جامحة ترفض الغرباء، وتلفظ قراراتهم التهويدية الجوفاء.
القدس في الماضي والحاضر والمستقبل كانت وستكون عربية إسلامية؛ أولى القبلتين وثالث الحرمين الشرفين.
لا بد في خضم هذه المأساة ألاَّ ينزعج الفلسطينيون كثيراً من القرار الأمريكي، فهو كشف وجهها الحقيقي الذي لطالما تلثم خلف مبادرات التسوية الموعودة والمناداة بالحريات، هذا الوجه الذي اغتر به القادة والساسة، وظنوا به خيراً وعوّلوا عليه كثيراً لمنحهم بعضاً من فتات حقوقهم.
الموقف الأمريكي في ظاهره العذاب وفي باطنه الخير، فقد اختصر كثيراً من الوقت على الفلسطينيين، ووجه صفعة لخيار التسوية الذي ترعاه أمريكا.
واشنطن تظن في قراراتها أنها تقدم خدمة إلى «إسرائيل»، ولكن الواقع مخالف لذلك، فهي بقرارها المنحاز العنصري الأحادي، أعادت البوصلة للقدس بعدما كانت في طي النسيان، وأيقظت الشعوب ووحّدتها خلف القضية الأحق في هذه المعمورة، وأعادت للأذهان أن ثمة زهرة مدائن مغتصبة تواري عن الجريمة دولة تدعي رعايتها للديمقراطيات والحقوق في العالم.
أما السلطة الفلسطينية، فإنها فعلياً مع الإعلان الأمريكي فقدت أسباب وجودها، فهي قامت على اتفاق ثلاثي بينها وبين «إسرائيل» والولايات المتحدة، على أن ترعى الأخيرة مفاوضات التسوية النهائية، ومع التنصل «الإسرائيلي» والأمريكي من كل التفاهمات فإن اتفاق «أوسلو» أصبح في حكم الميت، ولا يساوي الحبر الذي خُطت به بنوده.
القيادة الفلسطينية أمامها الكثير لتخطي هذا التحدي، وتقع على عاتقها مجموعة من القرارات الجريئة التي يجب أخذها لمواجهة القرارات التدميرية، منها حل السلطة الفلسطينية ودفع «إسرائيل» لثمن احتلالها، وإطلاق يد الشعب في انتفاضة عارمة تردع الصهاينة، ومَنْ خلفهم، ومن ثم وقف أي اتصالات مع إدارة ترامب، ورفض أي طرح أمريكي أو مبادرات مستقبلية.
الشارع الفلسطيني يمور غضباً، ولن يترك الاعتداء الأمريكي يمر مرور الكرام، فبعد فشل كل الخيارات لم يبق أمامه إلا التحرك الشامل للدفاع عن قضيته وأرضه ومقدساته. الأمور عادت للمربع الأول، لذا يترتب على منظمة التحرير إعادة صياغة ميثاقها بما يتوافق مع طموحات الشعب التحررية، وإعادة الكفاح المسلح الذي به وحده ستعود فلسطين والقدس.
aliqabajah@gmail.com