المسجد الأقصى والاستبداد العقائدي
محمد خليفة
يهيئ التيار الديني المتشدد في الولايات المتحدة لإشعال حرب صليبية جديدة بعد مرور سبعمئة عام على انتهاء الحرب الصليبية الأولى، وجلاء اللاتين بشكل كامل عن المستعمرات التي أقاموها في فلسطين وعموم سواحل بلاد الشام. ورغم أن الحرب الأولى كلفت المنطقة أعداداً لا حصر لها من القتلى والأسرى والمفقودين والجرحى والمهجرين، ودماراً لمدن ساحلية بأكملها، لكنها لن تكون شيئاً مقارنة بما يحضّر في الحرب المقبلة.
وجاء قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة ل«إسرائيل»، ليكون نقطة انطلاق لتلك الحرب المدمرة. وقال ترامب، إن تحركه يعكس واقع القدس كمركز للديانة اليهودية وحقيقة أن المدينة مقر الحكومة «الإسرائيلية». وكان الكونجرس الأمريكي قد اتخذ عام 1995 قراراً بنقل السفارة الأمريكية من «تل أبيب» إلى القدس، فأصبح القرار بيد الرئيس الأمريكي الذي بات يؤجله كل ستة شهور. وكان كل رئيس يتعهد في حملته الانتخابية بنقل السفارة لكنه يتراجع عن ذلك، بناء على معطيات الواقع والخوف من تفجير صراع لا يمكن السيطرة عليه، في وجه الولايات المتحدة في عموم العالم الإسلامي.
لكن تنامي قوة اليمين المتشدد في الولايات المتحدة وفي القلب منه التيار اليهودي ، دفع السياسة الأمريكية نحو مطبات خطيرة ليس في المنطقة العربية فقط، بل على مستوى العالم أجمع، فلم تعد الولايات المتحدة دولة حاملة لميثاق الحقوق والقيم في العالم، بل تحولت إلى دولة لها حساباتها الخاصة والبعيدة عن القيم العالمية المشتركة، فقد انسحب الرئيس ترامب من اتفاقية باريس للمناخ في تحدّ واضح لإجماع بشري حول قضية تهمّ الجميع هي موضوع تغير المناخ بسبب انبعاث غازات الدفيئة، وأيضاً انسحب الرئيس ترامب من ميثاق الهجرة الدولي، وبما يعني ذلك أن الولايات المتحدة سوف تضيّق على اللاجئين لطرد من تستطيع طرده منهم، ومنع قدوم مهاجرين جدد إليها، وهذه الخطوة تناقض حقيقة أن هذه الدولة هي أمة من المهاجرين وليست دولة ذات عرق واحد. ويضاف إلى ذلك السياسة الأمريكية غير المتوازنة تجاه الحلفاء الأوروبيين الذين باتوا في تيه حقيقي لأنهم لا يستطيعون قراءة هذه السياسة بشكل جيد، بسبب تناقضاتها ودخولها في مساحة اللاعقل.
والواقع أن غلبة المتشددين على القرار الأمريكي جعل العالم أكثر خطراً من أية مرحلة سابقة، لأن الولايات المتحدة هي أقوى دولة، ولديها من الأسلحة ما يكفي لتدمير آلاف المدن على امتداد العالم. وعندما يجتمع التشدد مع الأسلحة الفتاكة فعند ذلك تكون الكارثة. ورغم أن الولايات المتحدة كانت سبباً في ظهور «إسرائيل»، بعد أن أنشأتها بريطانيا وفرنسا لتحقيق أطماعهما الاستعمارية في المنطقة العربية، لكن بعد انهيار هاتين الدولتين مع أحلامهما في الحرب العالمية الثانية، تبنت الولايات المتحدة «إسرائيل»، وخصوصاً منذ عام 1956، وهو العام الذي انتهت فيه السيطرة الفعلية لبريطانيا وفرنسا من المنطقة. وشرعت في تقديم المال والسلاح لها، وجعلت منها مقياساً لسطوتها وجبروتها في العالم الإسلامي كله.
ورغم أن الأقاويل التي تذرع بها اليهود لاغتصاب فلسطين، لا تقوى أمام حقائق الواقع الذي يؤكد أن الرواية التوراتية التي تتحدث عن «إسرائيل» القديمة هي إما مجرد أسطورة أو أن أحداثها وقعت في أرض أخرى غير فلسطين، لكن هذه الرواية باتت من مسلمات اليمين الصهيوني المسيحي الذي يساهم قرار الإدارة الأمريكية في إشعال تلك الحرب المسماة «هرمجدون» وهذه كلمة عبرية مكوّنة من مقطعين،«هر» بمعنى جبل و«مجدون» اسم مدينة قديمة في فلسطين، وبالتالي فالكلمة تعني «جبل مجدون» وهي ترمز إلى الحرب التحالفية العدائية التي تخطط لها الولايات المتحدة تجاه العالم العربي وتكون مدخلاً لحرب عالمية شاملة. ومع إعلانها القدس عاصمة لـ«إسرائيل» تكون الولايات المتحدة قد بذرت بذور الصراع، وتجلى ذلك من خلال الرفض العربي والإسلامي الشامل لهذه الخطوة الأمريكية واعتبارها ضربة قاصمة لجهود السلام، كما أن دولاً عديدة في أوروبا والعالم رفضت هذه الخطوة لإدراكها مدى خطورتها على الأمن والسلم الدوليين، لكن هل تنتصر إرادة الحياة على إرادة الموت؟.
الواقع أن اليمين المتشدد الذي بات يوجه السياسة الأمريكية، تسيطر على تفكيره «الهرمجدون»، وهو سيعمل بكل قوته لجعلها حقيقة واقعة.
وقد قال الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان، إن هذا الجبل بالتحديد هو الذي سيرى هرمجدون.
وقال جيري فولويل، زعيم الأصوليين المسيحيين: إن هرمجدون هي حقيقة، ونشكر الله أنها ستكون نهاية العالم. وتقول الكاتبة الأمريكية جريس هاسل في كتابها «النبوءة والسياسة: إننا نؤمن كمسيحيين بأن تاريخ الإنسانية سوف ينتهي بمعركة تدعى «هرمجدون»، وأن هذه المعركة سوف تتوّج بعودة المسيح الذي سيحكم بعودته على جميع الأحياء والأموات على حد سواء.
med_khalifaa@hotmail.com