صنعاء.. ما بعد الانقلاب على الانقلاب
هاشم عبدالعزيز
بعد أن كان تحالفهم قائماً على انقلابهم على الشرعية الدستورية والفترة الانتقالية بقضاياها المرتبطة بحل الأزمة اليمنية، والتي تمثلت بالمبادرة الخليجية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني التاريخية وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، دخل تحالف الحوثيين والرئيس السابق علي عبدالله صالح دورة انقلابية متبادلة ومواجهات دامية أدت إلى اغتيال صالح والعديد من قيادات وكوادر المؤتمر الشعبي العام، وأنصاره، وبسط الحوثيون سيطرتهم العلنية على صنعاء بعد أن كانوا أنجزوا هذه السيطرة بخطوات وإجراءات عملية منذ انقلابهم على الشرعية.
التداعيات على هذا النحو كانت متسارعة متداخلة ومتعارضة، وعليه بات المشهد مفتوحاً على كل الاحتمالات السيئة.
لسنا بصدد الأسباب التي قادت إلى هذه التداعيات، وأساسها إن طرفي التحالف الانقلابي كانا منقسمين لغياب الثقة المتبادلة ولأن كل طرف أراد أن يكون الطرف الآخر في خدمته.
غير أن ما هو جدير بالإشارة، أنه وفي فترة قياسية طفت على السطح غير قضية وأكثر من نتيجة هي دال على أن ما جرى لم يكن قاصراً على الخلافات البينية، بل اللعبة الجهنمية المستهدفة اليمن بالنتيجة، وأن ما جرى كان باندفاع محسوب ومحموم لجهة الحوثيين، لكن هذا كان أكثر من مكشوف لسقوط الأقنعة وسطوع الحقيقة. في هذا الشأن يمكن الإشارة إلى:
أولاً: المفارقة الحوثية: هم يستفردون في السيطرة على مقاليد الأمور في صنعاء عسكرياً وأمنياً ومدنياً ومالياً وبشؤون حملات الاعتقالات والتصفيات الجسدية، وهم من جهة ثانية يطالبون الذين يجري استهدافهم بهكذا ممارسات انتقامية وتصفوية وبوحشية أن يكونوا شركاء لهم في حربهم المفتوحة على حياة العباد ومصير البلاد بما ترتب عليها من أوضاع مأساوية وكارثية.
هل هذا استخفاف بالناس؟ أم هي محاولة بائسة للملمة السبحة التي انفرطت ولم يعد بالإمكان استمرار التحالفات القديمة؟
ثانياً: الصدمة الحوثية: هذا ما حدث لأوساط شعبية وأعداد غير قليلة ممن كانوا يعدون من أنصار هذه الجماعة في عموم الساحة اليمنية.
الصدمة جاءت إثر الإعلان جهاراً نهاراً وبالأعمال الوحشية عن النزعة الانتقامية، وعن وحشية الغاب التي أظهرت هذه الجماعة أنها أقرب إلى العصابة المسلحة المتعطشة للدم، فقتل المعتقلين والتمثيل بجثثهم ونسف المنازل ومواجهة المظاهرات السلمية النسائية بالأسلحة والعنف، غيّر لدى تلك الأوساط رأيها من متعاطفين مع من كان يُعتقد أنهم ضحايا إلى الوقوف أمام حقائق صناع الجريمة.
والواقع أن الحوثيين بمثل ما أنجزوا من إحكام قبضتهم على صنعاء في ساعات قليلة، هم حققوا خسارتهم الشعبية في عموم البلاد بما في ذلك المناطق التي تقع تحت سيطرتهم، حيث الألم والغضب هو لسان حال الناس إزاء الممارسات الانتقامية.
لقد كان العديد من المهتمين بالشأن اليمني يقرؤون حركة الحوثيين على أنها حركة ناشئة وواحدة منهم، لكن الحركة تكذّب هؤلاء وتؤكد بأنهم كانوا يطالعون أمورها من أمنياتهم، وهذه غير كافية لأن يستعيد الحوثيون المكانة التي كانت أتيحت لهم في سياق الخلاص من إرث وأمراض الماضي والنهوض لبناء اليمن الجديدة.
ثالثاً: الحوثيون والتقسيم والانقسامات: في هذا الشأن يمكن الإشارة إلى ما يجري تجاه المؤتمر الشعبي العام، فقد أصبح موضوع إعادة ترتيب أوضاع هذا التنظيم شأن من شؤون قيادات حوثية، وهي تعمل على توفير أداة مؤتمرية لتنفيذ مهمتها الرامية إلى احتواء هذا التنظيم وتعطيله من خلال تقسيمه.
وما يتعرض له المؤتمر الشعبي الآن لن يكون بعيداً أو غير وارد لأحزاب ومنظمات إبداعية وأهلية ومهنية أخرى.
والمسألة هنا هي ديمقراطية الحوثيين أن توجد أحزاب ومنظمات مجتمع مدني بصناعة وقناعة حوثية. والإشكالية هنا ليست في مجافاة مقومات واتجاهات الحياة الديمقراطية فقط، بل وفي إعادة تدجين الشعب اليمني على تخلفه.
في أي حال خريطة ما يجري في صنعاء واسعة، وهي تنتج رؤى متعددة ومختلفة، لكن ما هو جدير بالإشارة أن القابضين على زمام الأمور في صنعاء لا يسمعون سوى أصواتهم، ولا أولوية لديهم على تبعيتهم لإيران، وبين الانعزالية الداخلية والتبعية الطائفية لا توجد مساحة توافق تحظى بدعم ورعاية من الأوساط والأطراف المحلية والإقليمية والدولية. فإلى أن ستمضي الأمور؟
هذا ما لا يستطيع أحد التنبؤ بوقوعه، لكن المؤكد أن ذلك لابد أن يجري في أحد اتجاهين، الأول: أن يتراجع الحوثيون عن اندفاعهم المحموم والمفتوح على الهاوية، وأن يراجعوا حساباتهم الخاطئة في حق المصالح الوطنية والعربي، الثاني: أن تفرض الإرادة الوطنية حسمها لهذا الوضع الأرعن وغير المشروع والسبل إلى ذلك عديدة.