ترامب.. حذار من الفتنة
أحمد علي الحمادي
من أصعب المواضيع كتابةً وحديثاً وتفكيراً، موضوع له علاقة بـ«إسرائيل»، فإن كان لأي موضوع في العالم وجه، فللحقيقة كما يقال عدة أوجه.. فإن الموضوع إذا مسّ «إسرائيل» فلا بدّ أن يكون له ألف وجه، لا يعلم بحقيقتها إلا الله، وذلك لأنك هنا ستتعاطى مع فكر بالغ التعقيد والتخفي والدهاء الذي لم تعرف له البشرية حداً!
فمنذ إعلان ترامب أن القدس عاصمة لـ«إسرائيل»، فإن هذا الإعلان الأرعن الذي فاجأ به العالم كله وربما حتى الكثير من «الإسرائيليين»، جعل كبار المحللين الغربيين يحاولون التعرف إلى السبب الرئيسي الذي دفع ترامب لأمر هزّ به العالم أجمع.
أسباب كثيرة قيلت في هذا الشأن، لكن دعونا قبل ذلك نتأمل كيف استطاع الرئيس الأامريكي أن يخدعنا بطريقة لم يسبقه فيها أحد!! ليس معنى هذا أن الرؤساء الأمريكيين السابقين كانوا داعمين للعرب.. إطلاقاً، فأمريكا في النهاية تحركها لوبيات صهيونية تعرف جيداً هدفها وتسعى له بِنَفَسٍ طويل، قلّ أن يكون له مثيل، لكن ما أردْتُ قوله أن ما فعله ترامب بالعرب لم يتجرأ أحد من الرؤساء الأمريكيين قبله على فعله، فالقرار استدعى استنكار العالم أجمع، ما جعل البعض يَرَوْن أنه لحظة تخبط من الرئيس الأمريكي، وأنه سيدفع العرب و«إسرائيل» معاً ثمنه باهظاً.
إلا أنّ فئة أخرى من المحللين ترى أن لا شيء يجيء عبثاً في السياسة الأمريكية التي ترزح تحت الضغط الاسرائيلي دائماً وأبداً، وأن الأمور بكل تداعياتها مدروسة تماماً وتأتي في الوقت الذي يُحدَّد لها.
فريق ثالث وكبير في الولايات المتحدة يرى أن ما فعله ترامب جاء كفتيل أشعله ليلهي به الرأي العام العالمي عن فشله في كل شيء خاصةً في الفترة الأخيرة بعد دخول مستشاره الأقرب له الجنرال مايكل فلين السجن بتهمة الكذب بعدما اتهمه مكتب التحقيقات الفيدرالي بإجراء اتصالات مع أفراد لهم علاقة بالحكومة الروسية.. هذا من جهة، ومن جهة أخرى أثر الهياج العام الذي تلقاه ترامب بعد تغريداته الثلاث المسيئة للإسلام، والتي كشفت حجم ضحالته السياسية ولا مسؤوليته وعنصريته، وجعل الإنجليز يواجهونه من جانب كل أفرع الحكومة والبرلمان البريطاني بسبب هذه التغريدات.
إضافة لرأي رابع له ثقله أيضاً يرى أن ترامب فعل ذلك ليشعر بتميزه عن الرؤساء الأمريكيين السابقين وخاصة أوباما، فلن يجد قضية في العالم أكبر من قضية القدس ليخفي بها فشله في كل شيء.
أياً كانت الأسباب التي رأى المحللون أنها كانت الدافع لقرار ترامب، فإن القرار يكشف لنا حجم التلاعب بالمنطقة العربية وشعوبها، ففي الوقت الذي يظهر فيه ترامب أنه حليف قوي لعملية السلام وداعم للاستقرار، يصدم المنطقة والعالم كله بقرار يتضح عبر سطوره رغبة أمريكا و«إسرائيل» ببقاء المنطقة العربية في حالة اشتعال وخوف وتصعيد موجة الإرهاب والتطرف فيها بعد العديد من المحاولات العربية الجادّة لتقويض العنف في الوطن العربي.
وردود الأفعال الدولية والعربية والإسلامية كلّها أكدت ذلك، فصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله» أكد في تغريدة عبر «تويتر» أن القدس هي جوهر الحل العادل والشامل للقضية الفلسطينية، والمساس بالقدس مساس باستقرار المنطقة وتمكين لخطاب متطرف جديد وفتح لنوافذ الإرهاب الذي بدأ العالم في هزيمته فكرياً وعملياً ، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة أكد أن مثل هذا القرار يؤثر على مستقبل استقرار المنطقة وعلى عملية السلام ويمثل طوق نجاة للارهابيين.
أما وزراء الخارجية العرب، فقد طالبوا الولايات المتحدة بإلغاء قرارها الاعتراف بالقدس عاصمة لـ«إسرائيل»، محذرين إياها من أنها عزلت نفسها كراعٍ ووسيط في عملية السلام، ورأى الوزراء أن هذا القرار غير قانوني وسيفجّر الغضب، ويعمّق التوتر، ويهدّد المنطقة بالعنف والفوضى والدماء.. ومنظمة العفو الدولية رأت أن القرار طائش ويستخف بالقانون الدولي وحقوق الشعب الفلسطيني، أما مفوضة الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والأمنية فيديريكا موغيريني فأعلنت أن دول الاتحاد لن تنقل سفاراتها من «تل أبيب» إلى القدس كما يتوقع نتنياهو.
فالحذر في هذه المرحلة المفصلية مطلوب، وسياسة التسامح والنَّفَس الطويل والتفهم بين الأطراف العربية مطلوبة وبشدّة، خاصة أن العالم كله يتنبأ بأن هذا القرار يدعم الإرهاب والعنف والفوضى على أعلى مستوى، الأمر الذي جعل الكثير من يهود العالم يرفضونه، والكثير من «الإسرائيليين» تخوفوا من تداعياته باعتباره سيقوي موجات الإرهاب في المنطقة، مع أن «إسرائيل» هي الحاضنة الأم للإرهاب والفتن.
إذاً علينا أن ندرك أننا جميعاً مسؤولون بعد هذا القرار عن سلامة نوايانا وأفكارنا وكلماتنا وأعمالنا حتى لا نعرّض قضيتنا الأكبر القدس للخذلان، ونشتت الانتباه عنها بصراعات اصطنعها العدو ليلهينا عن حقّنا ودورنا وأمننا وتقدمنا.. صراعات ستستنزفنا وتعيدنا إلى الوراء عشرات السنين، وتعبث بكل جهود السلام التي دفعنا ثمنها غالياً.
Ahmed.alhammadi707@gmail.com