غير مصنفة

بوتين بلا منازع

مفتاح شعيب

أطلق الرئيس الروسي فلادمير بوتين شرارة حملته للانتخابات الرئاسية في مارس المقبل بالدفاع عن إنجازاته المختلفة وهجومه على المعارضة التي اعتبرها غير قادرة على المنافسة وتفتقر إلى مرشح قوي، وهو ما تؤكده نوايا التصويت والاستطلاعات المجمعة تقريباً على أن هذا الرجل سيواصل قيادة موسكو ليستكمل مشروعه الذي بدأه في أول يوم من الألفية الجديدة عقب تنحي الرئيس الأسبق بوريس يلتسين.
لقد أصبح بوتين منذ ثمانية عشر عاماً رجل روسيا القوي، والآن أصبح أقوى من السابق في ظل سياسته التي أعادت موسكو إلى الساحة الدولية كقوة عظمى بعد أن تخلصت من إرث الاتحاد السوفييتي، واستطاعت أن تكسب معارك سياسية وعسكرية في مواجهة الولايات المتحدة والغرب، كما استطاعت أن تبني تحالفات ناجعة مع دول أخرى مثل الصين والهند وجنوب إفريقيا والبرازيل. وفي الشرق الأوسط، سمح له التدخل في سوريا بإيجاد موطئ قدم معلن في المنطقة، وأصبح بوتين صانع قرار وليس مجرد مراقب كما كان الوضع في السابق. ولا شك أن كل هذه الإنجازات ستكون في ميزان حملته الانتخابية وستساهم في ترجيح كفته أمام خصومه الضعاف. وإمعاناً في الثقة بالفوز يقدم نفسه في هذه الانتخابات كمرشح مستقل لا يأبه بالأحزاب، ولكنه يترك لها الباب مفتوحاً لتدعمه إذا شاءت، وكأنه يريد أن يقول إنه فوق كل الأحزاب ويمثل روسيا بجميع مكوناتها وأطيافها. ولأنه كذلك فهو عازم على النصر، على الرغم من أن هذا الشعور بالعظمة سيجلب إليه الانتقاد والتجريح من خصومه الدوليين في الغرب الذين سيعتبرون الانتخابات الروسية شكلية تكرس نوعاً من «الديكتاتورية» يحاول بوتين أن يفرضها، وهو نفس التوصيف الذي تم إطلاقه على الرئيس الصيني شي جين بينغ حين أعاد الحزب الشيوعي انتخابه في أكتوبر الماضي لخمس سنوات وفوّض له أمر الدولة لتطبيق رؤيته للنهوض بالصين لفترة غير محددة.
عند المقارنة بين جين بينغ وبوتين، قد لا يوجد اختلاف كبير بينهما، فكلاهما يحمل مشروعاً جوهره العمل على النهوض ببلاده وانتزاع المكانة اللائقة بها على الساحة الدولية. وحتى من دون التصريح بذلك، توحي السياسة الروسية بقيادة بوتين بتحقيق هذا الهدف. ومما يذكر أن بوتين عندما تولى السلطة بعد استقالة يلتسين المفاجئة يوم 31 ديسمبر 1999، تعهد بأن يعيد روسيا كما كانت أيام المجد السوفييتي خلال عشرين عاماً، من دون اتباع النموذج نفسه أو العقيدة السياسية التي كانت سائدة، ويبدو أنه قد أوفى بوعده حتى قبل استيفاء الاستحقاق، فقبل 2020 أصبح لموسكو دور حاسم في قضايا عدة، ونجحت في استقطاب الغاضبين أو المتخوفين من الغرب في مختلف القارات. وقد كان هذا هو رهان بوتين منذ يومه الأول لبدء مشروعه في الحكم بدليل الحقيقة التي أصبحت عليها روسيا اليوم.
في المؤتمر الصحفي الذي عقده في بداية حملته، ألمح بوتين إلى نيته استكمال ما هو سائر فيه، وعرّج على زيادة الإنفاق العسكري لمواجهة التحديات، وهي إشارة صريحة إلى أنه سيواصل التعويل على أذرع روسيا العسكرية للسنوات المقبلة التي قد تمتد إلى 2030، وهو تاريخ آخر وضعته روسيا لاحتلال صدارة المشهد الدولي.
chouaibmeftah@gmail.comOriginal Article

زر الذهاب إلى الأعلى