جعجعة فضائية
خيري منصور
المثل القائل هناك من يجلد بالعصي وهناك من يتولى عدها ينطبق على الدراما الفلسطينية عبر مسلسلها الدامي الطويل، الذي لا تلوح له نهاية. فبينما كان الفلسطينيون محاصرين ومطاردين في عقر وطنهم، وبالرغم من ذلك يقاومون كان السجال الإعلامي العربي بما لديه من فائض الرفاهية والفراغ يدور حول تسمية ما يجري هل هو هبة أم حراك أم ثورة أم انتفاضة، ثم جرى بعد ذلك تحقيب الانتفاضات والحراكات إلى الأولى والثانية حتى الرابعة وربما العاشرة، رغم أن للانتفاضة في فلسطين منذ مطلع القرن الماضي إيقاعات قد تتموج، لكنها متصلة وبذلك تكون هناك انتفاضة دائمة تمر بحالات تمدد أو انحسار.
والآن أيضاً ثمة من يحمل جرحاه على كتفيه ويعدهم، وثمة من يعلن القتال إلى آخر فلسطيني في هذا الكوكب!
وبمعزل عن النوايا حتى لو كانت طيبة فما هكذا تورد الإبل أيها الأعزاء بحيث يصبح الغضب موسمياً والمناسبات الوطنية بيوت عزاء يسدل الستار عليها بعد ثلاثة أيام فقط، وما من حداد يصل إلى الأربعين!
إن ما يخيفنا في مثل هذه المناسبات رغم أنها تراجيديات وملاحم هو عودة الظاهرة الصوتية إلى المسرح، بحيث تعلو الجعجعة ويتردد صداها حتى يوقظ الأطفال من النوم؛ لكن بلا حفنة واحدة من الطحين؛ إذ نادراً ما وجدنا من يقوم بواجبه القومي بصمت، وبدون إشهار ومنّة، رغم أن هذا الصراع يخصنا جميعاً وبالتساوي؛ لأننا كعرب أينما كنا وحيثما وجدنا فنحن طرف أصيل فيه!
ولكن كي لا تتكرر حكاية الراعي والذئب، وتضيع المصداقية لحساب استراتيجيات إعلامية وإعلانية ثم يلتهم الذئب الغنم والراعي معاً، علينا أن نقلع عن الجعجعة الفضائية ولو من أجل قليل من الطحين! وقد لحق بفلسطين من أذى الذين يدعّونها ما لا يقل عن أذى محتليها!