الإمارات والعالم
هشام صافي
في الثاني من ديسمبر عشنا مشهدين شديدي التناقض، واقعين معاشين يختلفان حتى في أدق التفاصيل، ثمار أشجار في واقع حلوة المذاق وبهية الشكل، وفي الآخر شديدة المرارة وبطعم الحنظل وسيئة الملامح.
الأول كانت فيه الإمارات دولة وحكومة وشعباً ومحبين يحتفلون باليوم الوطني السادس والأربعين، ذكرى قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، عاشوا على امتدادها الزماني والجغرافي ملحمة بناء وتطور وإنجاز، يجمعهم الحب والتآخي والعيش المشترك والأمل الواحد والهدف والحلم بغد يكون أكثر أمناً واستقراراً وتحقيقاً لآدمية الإنسان، وتقودهم حكمة القيادة وعزمها وتصميمها على إعادة تشكيل الوطن، زراعته وصناعته ومبانيه ووسائل العيش فيه، وكان لهم جميعاً ما أرادوا، وفي كل عام يلتقون في الثاني من ديسمبر ليجددوا العزم والعزيمة، والأمل والهدف، ويرسموا تفاصيل المسار، وعلى بركة الله يواصلون.
للأسف، الواقع الآخر تعيشه دول العالم، إن لم تكن قاطبة فمعظمها بكل تأكيد، تتصارع فيما بينها فيستغل القوي الضعيف وينهب خيراته قسراً أو طواعية في واحد من أبشع أنواع الرق الذي تدعي تلك الدول أنها تحاربه، وتسن القوانين التي تفاخر بها الآخرين لكنها إما أن تخترق وبكثرة، أو لا تطبق أساساً ويبقى منها الاسم فقط، والبعض منها تعيش شعوبها عصور الرق والعبيد رغم أنها في القرن الحادي والعشرين، ورغم ذلك تتغنى زوراً بالمساواة واحترام حقوق الإنسان، ومكافحة الاتجار بالبشر.
تعال إلى الإمارات لتعيش سحر الحياة في بلد تفنن أبناؤها في صنع الجمال في كل زاوية وركن منه، وعاشوا هم أيضاً متسامحين ومتكافلين، يغذيهم رصيد أخلاقي لا حصر لحجمه، استمدوه من طبيعة الحياة القاسية التي كانوا يعيشونها، وبات الحب عنوان التعامل والعلاقة بين العامل ورب العمل والموظف ورئيسه، والمستخدم والمستفيد من خدماته، الكل تحكمهم قواعد أخلاقية راقية، ومن لم تكفه فإن القانون جاهز ليفرض المساواة والعدل واحترام الآخرين وتقبلهم ورفض أي شكل من أشكال التطرف والعنف والإرهاب والأفكار الظلامية مهما كانت.
الدولة التي ولدت قبل 46 عاماً تذهل العالم كل يوم بجديدها وسباقها للحاق بركب العصر واستباقه بسنوات قد تصل إلى عقود، تبني فتحسن وتجيد وتبدع وتضيف إلى الجمال ما يأخذ بالألباب، ولا تكتفي بما حققت لأبنائها من عيش رغيد، لكنها تعد لحياة أفضل بمراحل لهم وللأجيال القادمة بعدهم.
العالم كان في الثاني من ديسمبر يحتفل باليوم الدولي لإلغاء الرق على الورق فقط، لكنه يمارس بدءاً من مستوى الدول ووصولاً إلى العلاقات داخل الأسرة الواحدة رغم الادعاء بتقديس الحرية الشخصية التي تمنحهم أن يفعلوا كل ما يريدون إلى حد يثير الاشمئزاز، ونحن نحتفل بإنجازات جديدة تضاف إلى الصروح العالية التي تزيد ابن الإمارات تألقاً وأحقية في أن يكون رقماً مهماً، ومكاناً طليعياً في مقدمة الصفوف العالمية، بما تنجز يداه وإرادته.