أشجار لن نجلس في ظلها
شيماء المرزوقي
الاهتمام بالمستقبل بدأ مع فجر البشرية ولن تجد شعباً ولا أمة من أمم الأرض ليس لديها تاريخ في البحث عما سيحدث في المستقبل أو الإعداد له، صحيح أن هناك تساؤلات أخرى كانت حاضرة ودارت في ذهن الإنسان منذ القدم مثل الروح والكون والفضاء والمرض والموت، ولكن بقي تساؤله عن المستقبل وعما يُخبِّئه قوياً وله حضوره، فالحيرة من المجهول كانت قوية والقلق مما قد يداهمه غداً فيجد نفسه في أزمة لا مخرج منها مرافقة له ولتفكيره.
وعلى مدار آلاف السنين، تطور الإنسان وبدأ باكتشاف واختراع الطرق الجديدة التي تسهل الحياة وتساعده على معرفة المزيد عما حوله، تغيرت الكثير من الأشياء بالطبع، لكن يوجد ثوابت لا يمكن للبشر التنبؤ فيها ومعرفتها، وإحدى تلك الثوابت هي المستقبل، وظهر السؤال هل كون المستقبل شيئاً مجهولاً يبقى سبباً كافياً لجعلنا نهتم بالحاضر بشكل كامل، متناسين ومتجاهلين العصور القادمة؟.
قرأت مثلاً يونانياً قديماً يقول: «يصبح المجتمع عظيماً عندما يزرع الكبار الأشجار التي يعلمون أنهم لن يجلسوا في ظلها أبداً».. ولنأخذ على سبيل المثال واحدة من أكبر دول العالم وأكثرها سكاناً، وهي الصين، سنجدها تتمتع باقتصاد قوي، إلا أنها تخبِّىء لأبنائها في المستقبل مفاجأة الجحيم، لأن دخان المصانع ومحطات الطاقة التي تعتمد على حرق الفحم، تزيد تلوث الهواء مع الزمن، وبسبب عدم الالتفات إلى هذه المشكلة بشكل مبكر، قد يصبح الهواء النقي والحياة الصحية أمراً صعباً أو شبه مستحيل في بكين، هذه واحدة من سقطات عدم التنبؤ أو الاهتمام بالمستقبل.
هذا مثال على نطاق الدول، لكن نستطيع أن نطبق ذلك على أبنائنا، وفي مشاريعنا وخططنا المالية ونزرع لهم الأشجار، مع أن تلك الأشجار لن تنمو بسرعة، ولن نجلس في ظلها، لكنها قد تكون الظل الحامي لأبنائنا في أحلك وأصعب أوقاتهم، الأشجار هنا قد تكون مجازية ويمكن القصد بها زراعة حب المعرفة في قلوبهم، تزويدهم بما يحتاجون إليه من تقنيات وبرامج وعلوم ستساعدهم في التغلب على أي تحديات تواجههم في قادم أيامهم، لذا يقال إن قسوة الآباء وحرصهم على تعليم وتربية أبنائهم، سياج وحماية لهؤلاء الأبناء في مستقبلهم، عندما لا يكون الأب حاضراً للحماية والذود عن طفله، إنه الإعداد للمستقبل بشكل جيد ودقيق.
Shaima.author@hotmail.com
www.shaimaalmarzooqi.com