إثيوبيا وحقوق مصر المائية
محمد خليفة
تسود العالم العربي أسئلة ملحة حول الوضع الراهن بحقوقه المختلفة، والمستقبل القادم بآفاقه العديدة. وقد حرصت بعض الدول المحيطة على استغلال ما تمر به الأمة العربية حالياً من أزمات لصالحها، وخاصة في تقرير مصير قضايا يتعلق بها مستقبل المنطقة.
ومن هذه الدول، دول حوض النيل التي تشترك مع مصر في مياه نهر النيل، حيث وجدت الفرصة مناسبة لزيادة نصيبها من المياه على حساب مصر. وكانت إثيوبيا، وهي مصدر لروافد مهمة لنهر النيل، قد أقامت سداً ضخماً يحجز المياه المتدفقة من أهم الشرايين التي تمد نهر النيل بنصيب وافر وهو: النيل الأزرق. ونهر النيل، من الأنهار الدولية التي تحكمها اتفاقيات دولية خاصة.
وكانت الدول المتشاطئة على هذا النهر، في السابق، مستعمرات لدول أجنبية ثم حصلت على استقلالها. وظهرت أولى الاتفاقيات لتقسيم مياه النيل عام 1902 في أديس أبابا، وعقدت بين بريطانيا بصفتها ممثلة لمصر والسودان، وبين إثيوبيا، ونصَّت على، عدم إقامة أي مشروعات – سواء على النيل الأزرق، أو بحيرة تانا، ونهر السوباط.
ثم ظهرت اتفاقية أخرى تتضمن إقرار دول الحوض بحصة مصر المكتسبة من مياه النيل، وإن لمصر الحق في الاعتراض في حالة إنشاء هذه الدول مشروعات جديدة على النهر وروافده. وهذه الاتفاقية كانت بين مصر من جهة، وبين بريطانيا التي كانت تمثل، كينيا وتنزانيا والسودان وأوغندا، لتنظيم استفادة مصر من بحيرة فيكتوريا. وتم تخصيص نسبة 7.7٪ من تدفق المياه للسودان و92.3٪ لمصر. وفي عام 1959 وقعت مصر اتفاقية مع دول الحوض، تضمنت بنداً حول الأمن المائي، وهو يقضي بعدم السماح بإقامة مشروعات على حوض النيل إلاّ بعد الرجوع إلى دولتي المصب (مصر والسودان). وبعد توقيع تلك الاتفاقية قامت إثيوبيا بإرسال مذكرة للأمم المتحدة بالتحفظ عليها، وأعطت لنفسها الحق في استغلال أي موارد مائية تقع داخل حدودها، وذلك بتشجيع من الولايات المتحدة التي كانت ترى في مصر، آنذاك، خصماً استراتيجياً لها في الشرق الأوسط وإفريقيا.
وكان مكتب الاستصلاح، الذي يعد إحدى إدارات الخارجية الأمريكية، قد بدأ منذ عام 1956، بعملية مسح للنيل الأزرق، بهدف إقامة سد عليه، وتم تحديد الموقع النهائي للسد، وذلك دون الرجوع إلى مصر.
وفي نوفمبر 2010، تم الإعلان بشكل رسمي عن المشروع، ومنحت شركة إيطالية عقداً قيمته 4.8 مليار دولار لبنائه، وقد تصاعد قلق مصر والسودان، خلال الأعوام الماضية، من أن يؤثر هذا السد على حصتيهما من مياه النيل، وأسفرت المفاوضات بين هاتين الدولتين وأثيوبيا عن توقيع الدول الثلاث في مارس 2015 على اتفاق مبدئي حول ذلك السد، حيث تم التوافق على الشواغل المصرية والسودانية.
ووقعت الدول الثلاث عقوداً مع مكتب استشاري فرنسي لإجراء دراسات فنية على السد، لدراسة أضراره المحتملة على مصر والسودان. وتتركز الأزمة الرئيسية في فترة ملء خزان السد، وتطالب مصر بتخفيض السعة التخزينية والمقدرة بـ74 مليار متر مكعب من المياه إلى أقل من النصف.
وفي 11 و12 نوفمبر 2017 انعقدت الجولة الأخيرة من المفاوضات بين وزراء المياه في كل من مصر والسودان وأثيوبيا، في القاهرة، من دون التوصل إلى اتفاق بشأن اعتماد التقرير الاستهلالي الخاص بالدراسات الفنية للسد، والمقدم من الشركة الفرنسية. وأعقب ذلك إعلان مصر فشل المفاوضات الفنية، في ظل تحذيرات سابقة بلعب إثيوبيا على عامل الزمن، لحين الانتهاء من بناء السد وملئه في العام القادم، ليصبح أمراً واقعاً.
وتقول الحكومة المصرية إن لديها خيارات متعددة للتعامل مع التعنت الأثيوبي، وأول هذه الخيارات هو اللجوء إلى التحكيم الدولي. لكن إذا تعقدت الأمور، ورفضت إثيوبيا ذلك، يعرض الأمر على الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومجلس الأمن. وإذا لم تجدِ كل هذه الطرق، فلا يبقى أمام مصر إلاّ خيار القوة.
med_khalifaa@hotmail.com