غير مصنفة

قمة المتطرفين في النمسا

مفتاح شعيب

أقدم اليمين المتطرف في أوروبا على خطوة رمزية في النمسا عندما عقد زعماؤه في مختلف القارة «قمة» في براغ ليقولوا إنهم ما زالوا فاعلين في المسرح السياسي، وسيعودون بقوة في المعارك الانتخابية القادمة، معتبرين تمكن حزب «الحرية» اليميني في النمسا من الدخول في الائتلاف الحكومي وحصوله على ثلاث حقائب سياسية حدثاً له دلالاته، ويجب استثمار زخمه وتعميمه كنموذج على الدول الأخرى.
القمة التي جرى التخطيط لها مسبقاً أريد لها أن تتزامن مع إعلان الحكومة النمساوية الجديدة ضمن تحالف تم إطلاقه من جبل «كاهلنبرج»، وهو مكان له رمزية كبيرة تعود إلى عام 1683، ويعتبره اليمين المتطرف النقطة التي بدأ منها طرد قوات الدولة العثمانية التي كانت تحمل لواء المسلمين في ذلك الوقت. ويبدو أن اختيار مكان إعلان الحكومة بالتوازي مع اجتماع زعماء اليمين المتطرف الأوروبي يحاول إعادة الزخم إلى المشروع المتطرف، ويفصح منذ البدء عن التوجه السياسي المندفع إلى معاداة الأجانب والمسلمين منهم على الخصوص، كما يعلن أنه سيقف في الخندق المعادي للقضايا العربية والإسلامية، ولم يكن صدفة ما يتم تداوله عن أن حكومة النمسا لن تكتفي بالاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة ل «إسرائيل»، بل ستعترف بها ك«دولة يهودية». وقد يكون هذا أول الإجراءات المتشددة بانتظار مواقف أخرى ستلحق الأذى بالمسلمين، وبأوروبا أكثر.
العام 2017 كان عاماً سيئاً بالنسبة إلى اليمين المتطرف، فقد خسر رهانه في الوصول إلى السلطة في فرنسا وألمانيا وهولندا، ولكنه عزز موقعه في الحزام السياسي المحيط بصناع القرار. وممثلاً في حزب «البديل» دخل البرلمان الألماني لأول مرة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وفي هولندا عزز حزب «من أجل الحرية» بزعامة المتطرف خيرت فيلدرز، موقعه في البرلمان في انتخابات مارس/آذار الماضي، لكنه فشل في الوصول إلى هرم السلطة. وفي فرنسا كانت انتكاسة «الجبهة الوطنية» بقيادة مارين لوبان مزدوجة في الانتخابات الرئاسية والتشريعية. وحتى في النمسا لم يتصدر حزب «الحرية» برئاسة المتطرف هاينز كريستيان شتراخه، نتائج الانتخابات، ولكنه أصبح شريكاً في الحكم مع الحزب الديمقراطي المسيحي المحافظ الذي يتزعمه سيباستيان كورتز.
وقد أفضت الشراكة إلى أن يتولى حزب «الحرية» سلطة معظم الأجهزة الأمنية، وسيكون مسؤولاً عن وزارات الخارجية والداخلية والدفاع، ما يمنحه قوة ربما تفوق شريكه المحافظ. وقد رأى زعماء اليمين المتطرف الأوروبي أن هذه القسمة بمثابة انتصار فعلي وتمكن من السلطة. ورغم تهوين البعض من أن هذه الاستحواذ على المناصب السيادية الفاعلة لا يؤثر في بلد يحتكم إلى صناديق الاقتراع، إلا أن الأحزاب العقدية وذات الطابع المتطرف لا تؤتمن على الديمقراطية، لأنها تحمل مشروعاً يرفض من أساسه التعدد والتنوع ويعمل على الانعزال على الآخر. ومن هذا المنطلق هبّ قادة اليمين المتطرف إلى النمسا لمباركة هذه التجربة، ومدّها بما يلزم من تعاليم في الكراهية ونبذ الآخر.
المواجهات الانتخابية المتعددة في أوروبا تقول نتائجها إن اليمين المتطرف هزم، أو تراجع، ولكنه في الواقع يتقدم بدليل الانتخابات الألمانية والنمساوية والهولندية، وإذا كان لم يصل صراحة إلى السلطة، فهو يعمل على تحقيق ذلك الهدف. وعكس مناوئيه، فإن ما تحقق له من نتائج يعتبره أرضية مثالية لتعزيز المواقع تمهيداً للجائزة الكبرى المتمثلة في السلطة التي يؤمن الكثير من المتطرفين بأنها آتية مهما طالت المعارك.

chouaibmeftah@gmial.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى