تسليح الخطاب الأعزل
خيري منصور
ما نعنيه بالتسليح في هذا السياق ليس بالدلالة المادية المباشرة، فالوعي سلاح أيضاً، لكن بوظائف وأساليب غير تقليدية، والخطاب الأعزل ليس ما يفتقد الإسناد من السلاح بمعناه المادي، بل هو الافتقار إلى مرتكزات منطقية ومرجعيات، يمكن الاحتكام إليها لاختبار ما يجري تداوله من أطروحات نظرية، وقد مر الخطاب القومي العربي بمراحل اختلفت من حيث نبرتها ومنسوب عنفوانها بظروف إقليمية ودولية، فخطاب الحرب الباردة ليس كالخطاب الذي جاء بعد أن وضعت أوزارها، وأصبح العالم أحادي القطب.
ومن متطلبات وشروط تسليح الخطاب الأعزل والرخو لفرط انفعاليته وعاطفيته، البحث عن المقومات والعناصر المتوفرة في الواقع وليس في الأحلام فقط!
ولدى العرب كأمة من عناصر هذا الخطاب الصلب والقابل لأن يكون مدججاً بالمنطق وليس بالسلاح فقط ما لا يوجد لدى أية أمة أخرى، سواء تعلق الأمر بالذاكرة القومية الواحدة، أو التاريخ المشترك واللغة والثقافة والأحلام!
وما من سبيل لتمديد صلاحية أي خطاب فكري غير تحريك مفاعيله، وعدم انسداد الآفاق أمام تطوره وتأقلمه، وما يتصوره بعضهم من هشاشة أو سطحية في الخطاب القومي مرده إلى من تداولوا هذا الخطاب على نحو غنائي، ولم يتعهدوه بالتوعية وتنمية الوعي، والبحث عن عوامل الاستجابة لتحديات عديدة.
ويخطئ كثيراً من يستخف بسلاح العقل، الذي قال المفكر الراحل د. الجابري إن غيابه لا يعادله إلا الغرق في الفوضى، وانهيار منظومات القيم والمفاهيم.
وقد يكون ما كتب عن تحديث الخطاب القومي يتجاوز الإحصاء لكثرته وتكرار أطروحاته، لكن ما كتب عن تسليح الخطاب الأعزل بقي محدوداً وفي نطاق أكاديمي ونخبوي، رغم أن الحاجة إلى عقلنة هذا الخطاب وتسليحه بالمنطق أصبحت أكثر من ملحة في أيامنا!