غير مصنفة

أولويات الحرب على الإرهاب

نبيل سالم

قبل أيام أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، انتصار العراق على تنظيم «داعش» الإرهابي، بتحرير آخر المناطق العراقية التي كان هذا التنظيم الإرهابي يسيطر عليها، وأوضح العبادي خلال افتتاح مؤتمر الإعلام الدولي في بغداد، سيطرة القوات العراقية «بشكل كامل» على الحدود السورية – العراقية. وأصدرت قيادة العمليات المشتركة العراقية بياناً أكدت فيه تحرير الأراضي العراقية كافة من أيدي تنظيم «داعش»، وعلى إثر ذلك، رحبت واشنطن بانتهاء احتلال تنظيم «داعش» لأراضٍ في العراق، ولكنها حذرت من أن التنظيم لا يزال يشكل تهديداً.
ومع أن الانتصار العسكري العراقي على «داعش» يمثل نقلة مهمة، في محاربة الإرهاب والتطرف، إلا أن ذلك يجب ألا يعطي الانطباع بأن خطر الإرهاب قد انتهى تماماً.
إذ إن كل المتابعين للشأن العراقي يؤكدون أن الانتصار العسكري لا يكفي وحده للقضاء النهائي على الإرهاب، لا سيما وأن كل المعلومات تشير إلى أن العديد من مقاتلي «داعش» عادوا للاختلاط بالسكان في المناطق المحررة التي خسروا فيها المعارك مثل الفلوجة والرمادي، وغيرها من المناطق المحررة، ولعلهم ينتظرون الوقت المناسب لتنفيذ هجمات إرهابية مستقبلية.
ويحذر العديد من المسؤولين والمحللين من أنه لهزيمة الإرهاب يجب على العراق التحرك للأمام في أجنداته السياسية والاقتصادية، وقبل كل شيء أجنداته الثقافية، التي يجب أن تركز الآن على تجفيف منابع هذا الفكر الإرهابي المتطرف، لضمان عدم عودته في المستقبل بأشكال أخرى، قد تكون أشد تطرفاً وإجراماً من تنظيم «داعش».
والحقيقة أن هناك الكثير من الدروس التاريخية التي تثبت أن القضاء على آفة الإرهاب، يجب ألا يعتمد على القوة فقط، وأبلغ دليل على ذلك تنظيم القاعدة الإرهابي، الذي تعرض للكثير من الضربات القاتلة، عاد من جديد في هيئة «داعش» وأخواتها من التنظيمات الإرهابية الإجرامية.
زد على ذلك أن الإرهاب ليس موجهاً لشخص بعينه أو لجهاز أمني أو للقوات المسلحة فقط، وإنما هو آفة تضرب المجتمع بأسره، وتسعى إلى إشاعة الفوضى والخوف بين أفراده، لأنه أي الإرهاب إنما يعيش على الصراعات والتخلف، ويحيا على أنقاض المجتمعات والأوطان.
وبالتالي فإن محاربته يجب أن تستمر حتى بعد اختفاء مظاهره العسكرية كما حصل مؤخراً في العراق، ويحصل في سوريا، التي تشهد هي الأخرى انحساراً كبيراً لتنظيم «داعش» الإرهابي.
والحقيقة أنه للإجهاز تماماً على الإرهاب، ودفن شره إلى الأبد، لا بد من التركيز على الدور المجتمعي الذي يتمثل في تكاتف كل مؤسسات الدولة وكافة أطياف الشعب، من أجل مواجهة خطابات التشدد والتطرف والإرهاب، وإلا فإن الانتصار الذي أعلنته بغداد على الإرهاب، قد يتحول إلى مجرد خسارة لمعركة في حرب طويلة بالنسبة لهؤلاء الإرهابيين، الذين يعملون لحساب أجندات استعمارية، تهدف إلى تدمير الدول العربية وتحويلها إلى ساحات صراعات سياسية وطائفية لا تنتهي.
وهنا لا بد من التذكير بأن الدول التي تهتم بتحقيق العدالة الاجتماعية، وحماية حقوق الإنسان، وتوفير النظم الكفيلة بمحاربة الجريمة والفساد، وتقديم رموزها إلى العدالة، تعتبر من أكثر الدول قدرة على مواجهة الإرهاب والتطرف.
وما يجب التذكير به هنا أيضاً، هو أهمية التعاون الدولي، في استمرار محاصرة الإرهاب ومحاربته، ذلك أن التجارب الكثيرة أثبتت أنه لا يمكن لدولة بمفردها أن تحارب الإرهاب العابر للحدود، نظراً لسهولة الانتقال من دولة إلى أخرى، حيث يختفي الإرهاب في العراق أو سوريا بسبب تكثيف الضغط عليه، ليظهر في ليبيا أو مصر، أو أية دولة أخرى، سواء في المنطقة أو خارجها.
وعليه فإن التعاون الدولي الفاعل في محاربة الإرهاب، وتجفيف منابعه، ومحاربته ثقافياً، يعد أمراً لا بد منه إن أريد للعالم أن يتخلص من هذه الآفة الخطيرة التي لا تعرف لإجرامها حدوداً، أو مناطق جغرافية معينة، وإنما تطال المجتمع الدولي بأسره، وتسيء إلى الإنسانية كلها.

nabil_salem.1954@yahoo.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى