واقعية كاستيلو قرنق
فيصل عابدون
من الاقتراحات المثيرة خلال مناقشات منتدى دول «الإيقاد» حول الأزمة السياسية في جنوب السودان، الاقتراح الذي تقدم به رئيس الحركة الوطنية المعارضة كاستيلو قرنق، الداعي لتشكيل مجلس قيادة جماعية يحكم البلاد عشر سنوات على مرحلتين متساويتين قبل أن يسلم السلطة إلى حكومة منتخبة. والجانب اللافت للانتباه في اقتراح القيادي الجنوبي هو طول الفترة الانتقالية المقدرة بعشرة أعوام للمجلس الحاكم، وهي تعتبر أطول فترة انتقالية، ولكن الاقتراح يبدو وجيهاً، وملائماً للظروف الراهنة بالنظر إلى عمق الأزمة التي تغرق فيها الدولة الوليدة منذ انفصالها، وامتداداتها المتشعبة، وحجم الفظاعات التي ارتكبتها الأطراف ضد بعضها بعضاً، وضد المدنيين والأهالي الأبرياء.
وفترة الأعوام العشرة تبدو في ظل هذه الظروف إطاراً زمنياً مناسباً يتيح الفرصة لاستبعاد طبقة الحكام السياسيين والعسكريين الذين تسببوا بالمآسي والكوارث التي خلفت مئات الآف الضحايا والمشردين، وأنهاراً من الدماء، والكراهية، وطلب الثأر بين أبنائه وعشائره. وظهور جيل جديد لا يكبله الماضي، ويتطلع للمستقبل.
وبحسب اقتراح قرنق، فإن مجلس القيادة الجماعية الذي يرأسه رئيس وزراء يكون مسؤولاً عن الأمن القومي، والسياسة الخارجية، والتخطيط الاستراتيجي، مع إمكانية أن يضم في صفوفه ممثلين لرؤساء القبائل. كما يدعو الاقتراح للعودة إلى نظام الولايات العشر، أو حتى نظام الأقاليم الثلاثة لتقليص عدد المسؤولين ودعم سلطة اتخاذ القرار في قضايا التنمية والسياسة الداخلية.
وحذر القيادي الجنوبي المشاركين في المنتدى من الاقتراحات الداعية لسرعة إجراء الانتخابات أو تلك الداعية لتشكيل حكومة وحدة وطنية بديلاً عن الحكم القائم، ووصف كل ذلك بأنه لا يقود إلا لإعادة إنتاج الحرب، واستدامة الاضطرابات، وعدم الاستقرار.
الاقتراح قد يكون ملائماً للمشاركين في منتدى «إيقاد»، لكنه بالتأكيد لن يحوز إعجاب قادة الحكومة في جوبا، وربما لا تستمزجه المعارضة أيضاً، فهو ينطوي على استبعاد كامل الطاقم الذي تسبب بنشوب الحرب وانهيار الدولة. وتسليم السلطة إلى مستقلين غير مسيسين ولا تتحكم فيهم الولاءات العشائرية، وأن يستمر هؤلاء في الحكم زمناً طويلاً لتكريس الاستقرار والتنمية.
ولكن حتى إذا لم تعجبهم اقتراحات كاستيلو قرنق، أو غيره من المشاركين في منتدى «إيقاد» فإن قادة جنوب السودان في الحكومة والمعارضة مجبرون على حضور فعاليات المنتدى الذي يعتبره المجتمع الدولي الفرصة الأخيرة لإنهاء الأزمة السياسية بشكل سلمي. ومجبرون أيضاً على تقديم مقترحاتهم البديلة في حال لم يوافقوا على المطروح على طاولة النقاش.
وتحت طائلة التهديد بإجراءات رادعة دعا رئيس الوزراء الإثيوبي هايلي ديسالين، الأطراف الجنوبية لتحمّل مسؤولياتها، وترك المصالح الشخصية الضيقة من أجل إنهاء معاناة شعب جنوب السودان، ووقف التدهور الإنساني، والتشرد.