متى «يستنجد» نتنياهو بغزة؟
عوني صادق
لا تزال ردود الفعل الفلسطينية الغاضبة على إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن القدس متواصلة، فلسطينياً وعربياً وعالمياً. ويرى بعض المراقبين أن هبة شعبية تجتاح فلسطين المحتلة، وهي تتصاعد بشكل تدريجي تحمل معها احتمال تحولها إلى انتفاضة شاملة إن لم تتراجع الإدارة الأمريكية عن موقفها، الذي أسقط آخر أوراق التوت عن موقفها المنحاز والمتواطئ مع الكيان الصهيوني وقياداته اليمينية المتطرفة، في وقت يرى فيه كاتب «إسرائيلي» أنه «حتى لو انضم العالم كله لترامب، وإذا كان أبو مازن يريد من أعماق قلبه التنازل عن القدس، فلا يوجد احتمال بأن يسمح الجمهور الفلسطيني بذلك» (رفيف دروكر- هآرتس- 11/12/2017). يذكر أنه في أسبوعين مرا على إعلان ترامب حتى الآن، ارتقى تسعة من الشهداء، وازدادت الإصابات على 3000 إصابة. وفي الأثناء، أطلق من غزة (16) قذيفة هاون وصاروخ على المستوطنات القريبة، ولم تقع في الجانب «الإسرائيلي» إصابات.
ويرى مراقبون، أن حركة «حماس» تعمل على عدم الانجرار إلى حرب مع الجيش «الإسرائيلي» حتى لا تسحب الأضواء عن القدس وما يجري في الضفة؛ لكنها لا ترغب في أن تظهر وكأنها غير معنية بـ(انتفاضة العاصمة)، التي دعا إليها رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية. وكذلك لا يظهر أن الحكومة «الإسرائيلية» معنية بمثل هذه الحرب الآن. مع ذلك، فلا الانتفاضة قرار تقرره جهة فلسطينية أو قائد فلسطيني، ولا الحرب قرار يستطيع أن يهرب منه نتنياهو في ظروف معينة. وأجواء التوتر في قطاع غزة سابقة على إعلان ترامب، وتهديدات وزير الحرب «الإسرائيلي» أفيغدور ليبرمان أسبق من ذلك! وكما يقول رئيس الاستخبارات العسكرية «الإسرائيلية» السابق يعقوب عميدرور: «التوتر في الجنوب هو نتيجة لعدة أحداث، بدايتها اكتشاف نفق «الجهاد الإسلامي» قبل نحو شهرين؛ حيث قتل فيه 12 مقاوماً بينهم مسؤولون كبار في التنظيم، الذي توعد بانتقام شديد لم ينفذه حتى الآن». وبالرغم من «ضبط النفس»، الذي يزعمه قادة الجيش «الإسرائيلي»، إلا أن عميدرور يرى أنه «في الوضع الحالي لا توجد طريقة مضمونة للتأكد من أن الوضع لن يتدهور إلى مواجهة واسعة كبيرة! وهناك إمكانية لا بأس بها في أن تفقد الأطراف سيطرتها على الوضع»! («إسرائيل» اليوم- 2017/12/15).
من جانبه، رأى المراسل العسكري لصحيفة (هآرتس- 2017/12/15) عاموس هرئيل، رأي عميدرور فذهب إلى أنه رغم أن الطرفين (حماس والجيش «الإسرائيلي») لا يريدان مواجهة واسعة، إلا أن «الأجواء في القطاع ملبدة بالغيوم منذ تفجير- نفق الجهاد- في أكتوبر/تشرين الأول الماضي»، وأن (حماس) «تجد صعوبة في السيطرة على القطاع وإعادة المارد إلى القمقم» بعد إعلان ترامب!
اليكس فيكشمان، المراسل العسكري لصحيفة (يديعوت – 2017/12/15)، يرى أنه منذ إعلان ترامب وهو يشم «رائحة بارود يحترق في الهواء»، وأن أي «حدث ناري واحد يخرج عن السيطرة، سواء كان صاروخاً يسقط فيتسبب بخسائر أو قصفاً لسلاح جو يخرج عن أهدافه، فإنه يدفع قوى «حماس» لاستخدام الأنفاق طالما كانت ناجعة»! في الوقت نفسه، يرى أن «الضائقة السياسية- الاقتصادية التي ستعلق فيها إذا ما فشلت مسيرة المصالحة، وفقدان ذخائرها الأمنية، من شأن ذلك أن تدفع السنوار ورجاله نحو الزاوية. والمخرج الوحيد جولة عسكرية أخرى مع «إسرائيل»»!
ويلخص يوسي ميلمان، المراسل الأمني لصحيفة (معاريف – 2017/12/17)، موقف جهاز الأمن مما يجري بقوله: «في جهاز الأمن يجدون صعوبة في أن يقولوا إلى أين يتجه ميل العنف، ويأملون أن تتدخل مصر مع «حماس»؛ لتهدئة التوتر المتصاعد. أما «حماس»، وفقاً لتقديرات جهاز الأمن، فتحاول منع إطلاق النار؛ لكن ليس بالقوة كما في السابق؛ بل بالحوار مع الجهات المخالفة وشرح الموقف»! ويضيف: «والخوف في جهاز الأمن، هو من سوء التقدير، من الجانبين، الذي يؤدي إلى التصعيد، ثم إلى فقدان السيطرة»!
هكذا تحاول الأبواق «الإسرائيلية» أن تصور أن «إسرائيل» تحاول أن تمارس «أكبر قدر من ضبط النفس»، وهي عندما تذهب إلى الحرب تذهب «مجبرة وفي حالة الدفاع عن النفس»! والفلسطينيون هم الذين يدفعونها إلى ذلك إما عن سبق إصرار أو لسوء في التقدير! وكل ما تفعله وما ترتكبه من جرائم لا يخرجها من خانة «الضحية»! في كل الأحوال، الصحافة «الإسرائيلية» يهمها أن توفر «الحيثيات» التي تجعل لجوء حكومة نتنياهو إلى العمل العسكري عندما يقع أمراً لا مفر منه ومسؤوليته تقع دائماً على الجانب الفلسطيني! وتظل غزة الباب الذي يمكن أن يهرب منه نتنياهو وحكومته عندما يفشلان في قمع وإنهاء الهبة الجماهيرية وتصاعدها بما يهدد مخططاته ومخططات حليفه الأمريكي في الضفة العربية!
awni.sadiq@hotmail.comOriginal Article