هل يجب أن نكون أذكياء فقط؟
لايتيسيا ستروش – بونارت *
في العام 1958، نشر المفكر البريطاني مايكل يونج مقالاً مدوياً بعنوان «صعود الاستحقاق». أي مجتمع الجدارة أو حكم الأخيار أو الميريتوقراطية وهي نظام إداري وسياسي تُسند فيه التكليفات والمسؤوليات إلى الأفراد على أساس «استحقاقهم» القائم على ذكائهم وشهاداتهم ودرجة تعليمهم، التي تقاس عن طريق التقييم أو الاختبارات. ووصف يونغ في كتابه عالماً يسعى نحو التمرد الشعبي ضد حركة حكم الأخيار أو الميريتوقراطية. وقد حققت هذه الأخيرة في أفضل قدر من النجاح دافعة الأشخاص الموصوفين بالأكثر الذكاء نحو النخبوية. ويبدو أن هؤلاء لم يفكروا إلا بأنفسهم فحسب، بل اعتقدوا أنهم يستحقون هذا النجاح بفضل ذكائهم. وأدرك يونج مدى الدور الحاسم الذي سيلعبه الذكاء في مجتمعاتنا، حيث تعتبر مسألة القدرة على الابتكار أكثر من رأس المال نفسه بل هي ميزة تنافسية ذات قيمة. لكن الذكاء البشري لم يعد وحده في الساحة، فوفقاً لبعض رواد الأعمال الناجحين، فإن انتشار الذكاء الاصطناعي يشكل تهديداً خطيراً، لأنه سوف يتجاوزنا بالضرورة حتى يصل بنا إلى مرحلة الاستعباد.
بيت القصيد في هذا كله هو أن هذا السيناريو الجيد يستند إلى مقدمات خاطئة. فمن خلال الرغبة في «زيادة» ذكاء الإنسان من خلال التكنولوجيا، فإن أنصار ما بعد الإنسانية ينقلون طموحاتهم الخاصة إلى الناس العاديين. ولكن ماذا لو كان الجميع لا يريد أن يكون أكثر ذكاء مما هو عليه فعلاً؟ إن التفكير في أن الجنس البشري كله تحركه المنافسة الفكرية يعني أن نخطئ بحق ما يجعل معظم الناس سعداء وهو عيش حياة هادئة، وإثراء العلاقات العاطفية، والترفيه، ونوع من الحشمة المشتركة في الحياة اليومية. ففي الحياة الحقيقية اليومية، لا يريد الناس التوقف عن العمل إلى الأبد، طالما تغذيهم زجاجة الدخل العالمي، ولا قتل أنفسهم في العمل. إنهم يريدون فقط العيش بشكل جيد.
إن وراء خطأ الحكم لدى أنصار ما بعد الإنسانية تكمن أحكام قيمة: الميل المتنامي لجعل الذكاء محك قيمة الإنسان. وهذا ما يوافق ما كتبه مايكل يونج: «من يستطيع أن يقول إن العالم متفوق على حارس البوابة الذي يمتلك صفات أبوية مثيرة للإعجاب، ومن يستطيع أن يدّعي أن الموظف العام متفوق على سائق الشاحنة الذي يعرف كيف ينمي الورود أفضل من أي شخص آخر؟»، فهل نحن نريد عالماً نعرف فيه أن تنمية الورود هي أقل قيمة من معرفتنا كيفية البرمجة بلغة بايثون؟ هل نريد عالماً يتم فيه اختيار مربياتنا على أساس معدل الذكاء وليس على أساس حبهم للأطفال؟
إن أسياد وادي السيليكون يقترحون حلاً سيئاً لمشكلة حقيقية. وينبغي أن تكون إجابتنا عكس ذلك: علينا أن نرفض أن يصبح الذكاء هو المحك الوحيد لمجتمعاتنا. لقد حدث ذلك بالفعل، في حينه من خلال الدرس الذي علمه لنا يونج الذي كان لا يريد أن يجعل الجميع أكثر ذكاء، ولكن أن يجعل الناس الأذكياء أكثر إنسانية.
* كاتبة افتتاحية في مجلة لوبوان الفرنسية