غير مصنفة

تغذية التخلف!

خيري منصور

يتصور بعض الناس أن التخلف والفقر والمرض حالات لا تقبل رصد المراحل، أو أنها مجرد ركام لا يحصى؛ لأن مفردات كالتنمية غالباً ما تقترن بالتقدم والعافية والرفاه؛ لكن للتخلف أيضاً قوانين نمو، وإن كان نمواً معكوساً وأشبه بعقارب الساعة، التي تدور إلى الوراء بانتظام!
وتنمية التخلف رغم ما تنطوي عليه هذه العبارة من تناقض ظاهري تكمن في إدامة أسبابه أولاً، ثم تغذيتها بثقافة أحادية البعد ومنكفئة على ذاتها، وليس لها أي مجال حيوي تتمدد فيه.
وإذا كان المرض في بواكيره ومراحله الأولى يقبل العلاج ويمكن تداركه قبل أن يتفاقم، فإن التخلف أيضاً كذلك.
فهو يبدأ بنسب تقليدية وبدرجة أولية يمكن رصدها وتشخيصها ومن ثم يبدأ العلاج بمضادات فكرية لمفاهيم فقدت صلاحيتها، فما يحتاج علاجه إلى الكيمياء لا يعالج بالمواعظ، أوبكمادات الماء البارد والإسبرين! والتعامل مع التخلف أو حتى الفقر كما لو أنهما من الحالات الثابتة والمتكررة في كل العصور هو تعامل قاصر؛ لأن الفقر الآن يحتاج إلى إعادة تعريف، وفقير القرن الحادي والعشرين ليس كفقير القرن التاسع عشر، فالفقر بمعناه التقليدي هو انعدام الغذاء والمأوى، لكن الفقر الآن شيء مختلف تماماً، فقد يصنف من يملك سيارة قديمة وهاتفاً قديماً ومنزلاً متواضعاً على أنه من الفقراء. والتخلف كما كان مطروحاً في النصف الأول من القرن الماضي لم يعد هو ذاته الآن؛ لأن التخلف يقاس تبعاً لمساحة المعرفة وتطورها وما قطعته من أشواط، والمفارقة هي أن هناك من يتوهمون بأنهم يقاومون التخلف؛ لكنهم يستخدمون مناهجه وأدواته القديمة؛ لتكون أخيراً معالجاتهم له متخلفة أيضاً، والقول الشائع داوها بالتي كانت هي الداء لا يليق بالمقاربات التي تستهدف أسباب التخلف والحدّ من تفاقمه، وهناك ندوات موسمية تعقد في أكثر من عاصمة عربية تحت شعار «الحرب على التخلف»، حين نراجع مفرداتها وأسئلتها وأطروحاتها نجد أنها نماذج لتجسيد التخلف!
وهي أشبه بإجراء جراحة للعصفور بالسيف، وللفيل بإبرة الخياطة أو الدبوس.

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى