هل يخسر البشر الحرب مع الذكاء الاصطناعي؟
بيتر غاي*
ستظل تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي تعمل بشكل جيد، إلى أن تصل إلى نقطة تعمل عندها بشكل جيد أكثر مما ينبغي. وستغدو سريعة للغاية في نهاية المطاف، بحيث تسبقنا في كل خطوة
يجذب الذكاء الاصطناعي الانتباه؛ لأنه يحظى بالمبالغة الشديدة في تقديره وترويجه، وجعله يبدو مثيراً باعتباره صدمة المستقبل المقبلة، وشبحه المخيف. ولا يكف علماء التكنولوجيا الكبار عن التحذير من صراع وجودي قادم أو عالم يخيم عليه البؤس؛ حيث يتم استعباد البشر من قبل الحواسيب. وقد حذر (قطبُ الأعمال، المستثمر، المهندس والمخترع، الأمريكي المولود في جنوب إفريقيا) إلون ماسك، من احتمال نشوب حرب يشعل أوارها الذكاء الاصطناعي: وتهيمن عليها صور بشرٍ مصعوقين من هول الصدمة، يربضون في المخابئ، ويتفقدون ما تبقى من مدننا المدمرة، بينما تسعى الروبوتات المدمرة المجهزة للملاحقة والقتل، إلى استئصال وباء الجنس البشري، دون هوادة.
كلُ عام يبشر بتطور جديد في الذكاء الاصطناعي. في عام 2012، ادعى مختبر أبحاث جوجل المتطور، «جوجل اكس»، أنه قادر على تطوير شبكة عصبية تعلم نفسها كيفية التعرف إلى قط بدقة تساوي 15.8%- وهي نسبة لا تزال غير مثيرة للإعجاب الشديد. ولكن في عام 2011، تغلب حاسوب طومسون، الذي أنتجته شركة «آي بي ام»، على البشر في لعبة «جيوباردي»، (التي يسعى فيها المتسابقون إلى تخمين أمر عادي مُضمر، عن طريق قيامهم بطرح الأسئلة عنه)؛ وذلك إنجاز عظيم؛ لأن خوارزمية اللعبة، تضمنت قراءة وثائق من موسوعة ويكيبيديا، لا ردود فعل مبرمجة، ما يعني فهم الفكاهة، والاستعارات المجازية، والنكات والتشبيهات، وبالتالي امتلاك بعض التحكم في استعمال المعرفة البشرية. وبعد ذلك، في أكتوبر/تشرين الأول 2017، أصبح برنامج «ألفا جو» (AlpahGo)الحاسوبي الذي أنتجته شركة جوجل، أفضل لاعب في العالم، في لعبة «جو» (Go).
والخبرة البشرية خطية، على عكس تطور التكنولوجيا الأُسي. وستظل تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي تعمل بشكل جيد، إلى أن تصل إلى نقطة تعمل عندها بشكل جيد أكثر مما ينبغي. وستغدو سريعة للغاية في نهاية المطاف، بحيث تسبقنا في كل خطوة. وبعد ذلك، سوف تكرر نفسها في كل جهاز حوسبة.
ذكرت دراسة أجرتها مجموعة ديلويت عام 2016، أن التطورات السريعة في التكنولوجيا والنمو في التسوق عبر الإنترنت، يعنيان أن أكثر من مليوني وظيفة في قطاعي تجارة الجملة والتجزئة في بريطانيا، أو نحو 60% من القوة العاملة في قطاع تجارة التجزئة حالياً، يمكن أتمتتها بحلول عام 2036. وهذا لا يشمل الروبوتات أو الذكاء الاصطناعي.
وفي هونج كونج، نشرت بعض المطاعم أكشاكاً تحتوي على شاشات تعمل باللمس، ويمكن من خلالها الاختيار من قوائم الطعام ودفع الثمن؛ وذلك لتقليل عدد أمناء الصناديق وتحسين تفاعل الزبائن.
وهنالك تكنولوجيا موجودة بالفعل، لصنع شطائر لحم البقر، والبطاطس المقلي، بآلات مؤتمتة بالكامل،. ولو تم نشر ذلك فعلاً، فسوف يسبب عمليات تسريح جماعية في قطاع صناعة وجبات الأطعمة السريعة. وقد تضطر الحكومات إلى حظر ذلك؛ لمنع القضاء على الوظائف ذات الأجور المنخفضة؛ ولكنها مهمة؛ حيث تمثل نقطة البداية للعديد من الشباب، والمهنة التي توفر لقمة العيش لآخرين.
وتعني التكنولوجيا المستمرة في التقدم، أن الرأسمالية قد بلغت حداً أقصى في التقليل من إنتاجية العامل. والعمل البشري يتعرض للضغط. وباستخلاص الأرباح من خلال خفض التكاليف، ينبثق التدهور البيئي السريع والاستثمارات المضاربة، التي تجري بعيداً عن النشاط الاقتصادي الحقيقي والنمو.
وقد اقترح مارك زوكربيرغ، مالك شركة «فيسبوك» عقداً اجتماعياً جديداً- يتمثل في تحديد دخل أساسي عالمي- باعتباره حلاً ممكناً للسياسة إزاء البطالة الدائمة التي ستحدث في المستقبل، عندما تقضي التكنولوجيا على فئات من الوظائف برمتها مثل وظيفة سائقي الشاحنات.
وهو يعتقد، للأسف، أن دافعي الضرائب يجب أن يدفعوا. وبدلاً من ذلك، يجب على جبابرة التكنولوجيا الأثرياء والشركات، أن يتحملوا تكاليف الرعاية الاجتماعية لهذا التحول الهائل في الدخل السكاني.
آن الأوان للحكومات، لكي تحسب كم من عشرات إن لم يكن مئات المليارات الإضافية من الإنفاق الإضافي على الرعاية الاجتماعية، سيكون مطلوباً لإسكان وإرضاء العمال الذين يعانون نقص العمالة في الوظائف ذات المهارات المنخفضة، والخريجين العاطلين عن العمل.
*كاتب مالي، ومصرفي دولي سابق.
موقع: صحيفة ساوث تشاينا مورننغ بوست.