غير مصنفة

فوبيا التكنولوجيا ومستقبل الوظائف

ستيفن ل. كارت*

هل يمكن أن يكون عدم الإلمام بالتكنولوجيا الرقمية، واستعمال الحاسوب والإنترنت، سبباً لرفض طلبات المتقدمين للعمل، حتى لو كانوا مبدعين في تخصصاتهم، ومستوفين لجميع الشروط الأخرى؟
ماذا لو كانت مهنتك لم تتطلب في يوم من الأيام معرفة كبيرة بالحاسوب، ثم فجأة ودون سابق إنذار، أصبحتْ كذلك؟ هل ينبغي إنهاء خدمتك؟ وهل ينبغي انتزاع رخصتك؟ هذا هو السؤال الذي أثارته قضية «آنا كونوبكا» الغريبة، وهي طبيبة تقول إن سلطات نيو هامشاير، منعتها من ممارسة الطبّ؛ لأنها لا تعرف كيف تستخدم الإنترنت.
كونوبكا، البالغة من العمر 84 عاماً، تلقت معظم تدريبها الطبي في الخارج. وقد تنازلت عن رخصتها بمحض إرادتها هذا الخريف، بعد ادعاءات بأنها لم تكن تشارك في نظام نيو هامشاير الإلزامي الجديد، للتبليغ عن وصفات المواد الأفيونية الطبية. ولِمَ لمْ تكن تفعل؟ لأنها لكي تفعل ذلك، ينبغي عليها الاتصال بالإنترنت، وهو الأمر الذي تفتقر إلى المهارة اللازمة لفعله.
وبلدة نيو لندن، التي تعمل فيها كونوبكا، بلدة ريفية تضمّ 4 آلاف نسمة. والكثير من زبائن كونوبكا ليس لديهم تأمين صحي، ولكن إذا كان لدى أحدهم 50 دولاراً، فسوف تعالجه، وإذا لم يكن لديه، بإمكانه أن يدفع فيما بعد. إنها سوق ضيقة متخصصة، ولكنها مهمة. والمرضى الريفيون مشهورون بعدم تلقي الرعاية الصحية الكافية.
وكونوبكا، بوصفها طبيبة، تحصل غالباً على تقديرات عالية. وقد أجرتْ إذاعة نيوهامشاير العامة، مقابلات مع بعض مَن عالجتهم كونوبكا، ووجدت فيهم معجبين كباراً، فعلى عكس الأطباء الآخرين، تصغي كونوبكا للمرضى، وتقضي معهم وقتاً كافياً كما قالوا. تستفسر عن تاريخ العائلة الطبي، وعن الوضع البدني والنفسي للمريض، ولا تكتفي بكتابة الوصفة على عجل. وهي ليست الوحيدة بين الأطباء، التي تتذمر من أنّ تسارع التحول إلى السجلات الرقمية، ألحق الضرر برعاية المرضى. (على الرغم من أن كثيراً من الخبراء يحاولون إثبات العكس).
ولكن النظام الذي ترفضه لديه ميزات أساسية، وهناك أسباب وجيهة تماماً، لاشتراط وجود شهادة علمية في الإلمام بالحاسوب لدى الأطباء المهنيين. ولنضعْ جانباً مسألة الإبلاغ عن استخدام المواد الأفيونية. ولنفكر فقط بكمية المعلومات الهائلة التي نتوقع اليوم، أن تكون في متناول مقدّمي الخدمات. أحدث البحوث. وأحدث عمليات المسح والتقارير المخبرية، وأحدث الرسائل من الأطباء الآخرين.
وقد يكون مَن يمارسون الطب في الريف، في أمسّ الحاجة إلى أحدث التكنولوجيا؛ لأن المتخصصين غالباً ما يكونون على بُعد شاسع.
وأياً كان الرد الصحيح، فإن ثمة أمراً واحداً واضحاً: فمع استمرار الثورة الرقمية، سوف تبرُز القضية التي أثارها ما حدث لكونوبكا، أكثر فأكثر. تخيلْ الأستاذ الجامعي الكبير في السن، ولكنه محبوب، الذي يُدرّس ببراعة، ولكنه يصطدم بمبدأ تبنّته الجامعة حديثاً، يشترط رفع جميع أوراق التلاميذ، وتعليقات هيئة التدريس على الإنترنت. أو ضابط الشرطة الذي يتمتع بالخبرة والدهاء، والذي وجد نفسه في وضع مربك، عندما أعلنت الإدارة أن المعلومات التي كانت تُدوّن في السابق على الورق في ثلاث نسخ، يجب طباعتها من الآن فصاعداً، وإدخالها في النظام على الإنترنت. هل ينبغي إحالتهما إلى التقاعد، حتى مع أنهما ممتازان في عملهما، لأن تكنولوجيا المعلومات الحديثة، حلّت محل ما كانا يستخدمانه طوال عملهما المهني؟
والسؤال ليس مجرد افتراض، فمنذ أن قررت المحكمة العليا في الولايات المتحدة عام 2005، أنه يمكن تقديم مطالبات ذات أثر متباين، بموجب «قانون التمييز على أساس السن في العمل»، يتساءل أرباب العمل ومحاموهم، عمّا إذا كان اشتراط أن يكون الموظفون الجدد، قادرين على استخدام الحاسوب وبرامجه، سيشكل ذات يوم أساساً لدعاوى قضائية، يرفعها الكبار في السن من المتقدمين بطلبات العمل.
وترى لجنة تكافؤ فرص العمل، أن أرباب العمل، قد يأخذون «المهارات التكنولوجية» في الاعتبار، ما دامت «التقييمات دقيقة وغير متأثرة بقوالب نمطية، قائمة على العمر».
ولكن ذلك في أحسن الأحوال، يعطينا فكرة عن الكيفية التي يمكن أن يعامل بها أصحابُ العمل مقدّمي الطلبات الجدد، لا عن كيفية معاملتهم للموظفين الموجودين.

*أستاذ القانون في جامعة ييل الأمريكية.
موقع: صحيفة جابان تايمز


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى