إيران أمام احتمالات تغيير
جون آلان غاي*
تواجه إيران منذ أواخر ديسمبر/ كانون الأول، تظاهرات شعبية؛ احتجاجاً على تدهور مستويات المعيشة؛ وعلى تفشي الفساد الحكومي، وقد وقع قتلى وجرحى بين المتظاهرين خلال اشتباكهم مع قوات الأمن. فهل تؤثر هذه التطورات في الوضع الداخلي الإيراني؟
في وقت كتابة هذا المقال (بعد ظهر 30 ديسمبر/كانون الأول في الولايات المتحدة، وخلال المساء في إيران)، لم يكن واضحاً كيف ستتطور تظاهرات الاحتجاج الشعبية، وما إذا كان النظام الإيراني سوف يتصدع؛ لكني سأحاول عرض تحليل للتطورات، وأشير إلى الأمور، التي يجب مراقبتها، ثم ألقي نظرة سريعة على احتمال سقوط النظام أو استمراره، وأعرض تقييماً لموقف الولايات المتحدة.
– أولاً، جذور الأزمة الحالية ليست واضحة، إلا أنه يبدو أن التظلمات الشعبية بشأن تدهور مستوى المعيشة والوضع الاقتصادي هي المحرك الرئيسي للتظاهرات. وبينما ترتفع أسعار المواد الغذائية، فإن أوضاع البنوك ليست مستقرة، في حين أن اقتصاد إيران يعاني ضائقة منذ عقد من الزمن. والناس البسطاء هم الأكثر تضرراً.
وفي 9 ديسمبر/ كانون الأول، بث القسم الفارسي في محطة ال «بي بي سي»، نتائج دراسة وجدت أن ميزانيات العائلات الإيرانية انخفضت بنسبة 15% على مدى السنوات العشر الأخيرة، ما أدى إلى انخفاض في استهلاك العديد من السلع الغذائية. وقبل عشر سنوات، كان الإيرانيون يستهلكون ضعف ما يستهلكونه اليوم من الأسماك، و39% أكثر من اللحم الأحمر، و71% أكثر من الحليب، و84% أكثر من السكر… الخ.
وانخفاض الاستهلاك كان بمعدل أكبر من تراجع حجم العائلات. وهذا يعد نمطاً نموذجياً في البلدان النامية؛ حيث إنه بقدر ما يكون الازدهار أكبر، فإن مقادير من مختلف أنواع السلع الغذائية ستتوفر بشكل أكبر.
وحكومة الرئيس حسن روحاني واجهت صعوبات جمة في تطبيق إصلاحات اقتصادية، بينما وتيرة الإصلاحات الاجتماعية كانت بطيئة، كما تواجه إيران مشكلة تلوث متفاقمة، إلى درجة أن المدارس تغلق في كثير من الأحيان، إضافة إلى أن موارد المياه أخذت تتناقص، في حين بلغت البطالة مستويات مرتفعة.
وكل ذلك يعني أن هناك الكثير من التظلمات الشعبية المشروعة، التي دفعت إيرانيين عاديين إلى الشوارع؛ للمطالبة بتحسين أوضاعهم المعيشية.
وما الاتجاه الذي ستتخذه الأزمة الحالية ؟. هذه مسألة ليست واضحة تماماً.
وحتى الآن(30 ديسمبر/كانون الأول) لم تمارس السلطات قمعاً مكثفاً، ومع ذلك، ليس هناك ما يشير إلى أن النظام لن يلجأ إلى العنف ضد المتظاهرين، بما في ذلك الضرب، والسجن، والتعذيب، وحتى القتل؛ لكن بينما تستمر تظاهرات الاحتجاج بشكل سلمي، فإن إيران قد تشهد قمعاً دموياً للاحتجاجات، والانفتاح السياسي الطفيف الذي شهدته إيران في السنوات الأخيرة يمكن أن ينتهي الآن؛ وهذا سيثير أسئلة خطرة حول استقرار البلاد على المدى الطويل. وعلى كل حال، مارس النظام قمعاً ضد العديد من الفصائل والحركات، ليس فقط القوى الليبرالية منها، وإنما أيضاً أنصار كل رئيس إيراني سابق، وهذا يشمل الإصلاحيين بزعامة محمد خاتمي، إضافة إلى المحافظين الشعبويين بقيادة محمود أحمدي نجاد.
وما الذي يريده المتظاهرون ؟. هذا غير واضح حتى الآن؛ لكن اللافت للنظر هو أن المتظاهرين يرددون دائماً شعار: «لا غزة ولا لبنان.. حياتي لإيران»، وهذا يعكس انتقادات للإنفاق الإيراني الضخم في أماكن خارج إيران، مثل: غزة ولبنان وسوريا، بينما الأوضاع الداخلية تتدهور.
ويبدو أيضاً أن احتجاجات المتظاهرين موجهة ضد النظام ذاته، وخصوصاً ضد عناصره المتشددة. وأكثر ما يلفت النظر هو أن المتظاهرين يرددون الآن شعار: «الموت للطاغية»
(المرشد الأعلى علي خامنئي)، وهو شعار معدل لصرخة المتظاهرين خلال ثورة 1979، التي أطاحت نظام الشاه «الموت لأمريكا». كما ظهر- في شريط فيديو- متظاهرون يهتفون: «استقلال، حرية، جمهورية إيرانية»، وهذا أيضاً تعديل لشعار «استقلال، حرية، جمهورية إسلامية». وكيف يجب أن يكون رد أمريكا على ما يحدث في إيران ؟. المتشددون ألقوا اللوم على الولايات المتحدة (و«إسرائيل» طبعاً)؛ ولكنهم يفعلون ذلك دائماً، وحتى الآن، أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية بياناً متعاطفاً مع المتظاهرين، وكذلك فعل الرئيس دونالد ترامب والكثير من كبار المسؤولين والسياسيين الأمريكيين؛ لكن حتى الآن، الموقف الأمريكي لم يذهب إلى أبعد من ذلك.
وفي الوقت الراهن، لا يبدو أن تغييرات كبرى ستحدث، وليس هناك أي أساس لتوقع سقوط النظام في مستقبل قريب؛ لكن مهما يحدث، فإن هناك أمراً واحداً مؤكداً: الأمور ستتغير في إيران؛ نتيجة لتظاهرات الاحتجاج هذه؛ نحو الأفضل أو نحو الأسوأ.
*مدير تحرير في موقع «ذا ناشيونال إنترست» وخبير في الشؤون الإيرانية – موقع «ذا أمريكان كونسرفاتيف»