«تجار الموت» يحققون أرباحاً طائلة
لورانس ويتنر*
في ثلاثينات القرن العشرين، كان لتحقيق أجراه الكونجرس الأمريكي، وكذلك لكتب موثقة حول شركات صنع الأسلحة وتجارة الأسلحة الدولية، تأثير كبير في الرأي العام الأمريكي، حيث اقتنع كثيرون بأن شركات الأسلحة تعمل لإثارة حروب من أجل تسويق أسلحتها وتحقيق أرباح طائلة، فأخذوا ينتقدون «تجار الموت».
اليوم، بعد نحو ثمانية عقود، لا يزال هؤلاء التجار الذين أصبحوا يطلقون على أنفسهم بشكل أكثر كياسة اسم «متعاقدو الدفاع»، يبيعون أسلحتهم ويحققون أرباحاً ضخمة. وحسب دراسة جديدة لمعهد أبحاث السلام الدولي في استوكهولم، فإن قيمة مبيعات وخدمات أكبر 100 شركة أسلحة في العالم ارتفعت في العام 2016 (آخر عام تتوفر أرقام بهذا الشأن) إلى 375 مليار دولار. والشركات الأمريكية زادت حصتها من مجموع هذه المبيعات إلى 58%، حيث أمدت بالأسلحة 100 دولة على الأقل.
والفضل في هذا الدور المهيمن الذي تلعبه الشركات الأمريكية في تجارة الأسلحة الدولية يعود بدرجة كبيرة إلى جهود مسؤولين كبار في الحكومة الأمريكية. ويقول المحلل العسكري وليام هارتنج إن هناك «مسؤولين حكوميين مصممون على ضمان أن تغرق الأسلحة الأمريكية سوق السلاح، وهذا يعطي مردوداً هائلاً لشركات مثل «لوكهيد» و«بوينج». والمسؤولون الأمريكيون، من الرئيس ووزراء الدفاع، وحتى موظفي السفارات الأمريكية، يعملون بانتظام كباعة لدى شركات الأسلحة». ويضيف هارتنج إن «"البنتاجون" هي التي تساعد وتدعم هؤلاء المسؤولين. وفي الجوهر، البنتاجون هي أكبر تاجر أسلحة في العالم".
وفي 2013، سئل رئيس مكتب الشؤون الخارجية في وزارة الخارجية الأمريكية توم كيلي خلال جلسة استماع في الكونجرس عما إذا كانت إدارة أوباما تفعل ما فيه الكفاية من أجل زيادة صادرات الأسلحة الأمريكية، فأجاب: «نحن نبذل جهوداً لمصلحة شركاتنا ونفعل كل ما نستطيع حتى نضمن تحقيق هذه المبيعات… وهذا شيء نفعله على أساس يومي، وفي كل قارة في العالم… ونحن نفكر دائماً في كيفية تحقيق نجاحات أكبر».
وهذا يمثل تقييماً جيداً. فخلال أول ست سنوات من عهد إدارة أوباما، ضمن مسؤولو الحكومة الأمريكية عقد اتفاقيات لبيع أسلحة عبر العالم بقيمة كانت تزيد على 190 مليار دولار في السنة. واليوم، إدارة ترامب أيضا تبذل جهوداً مماثلة.
وأكبر سوق للأسلحة يبقى الولايات المتحدة ذاتها، التي تحتل المرتبة الأولى عالمياً في الإنفاق العسكري: 36% من مجموع الإنفاق العالمي. والرئيس ترامب نصير متحمس للجيش، وكذلك الكونجرس الحالي الذي يسيطر عليه الجمهوريون. وفي الوقت الراهن، يعمل الكونجرس لإقرار ميزانية دفاع قياسية تزيد بنسبة 13% عن ميزانية 2017.
ومعظم هذا الإنفاق العسكري مخصص لشراء أسلحة جديدة متطورة ومكلفة جداً. وشركات الأسلحة بارعة في تقديم ملايين الدولارات لدعم الحملات الانتخابية لسياسيين مرشحين لمناصب نافذة. كما أن هذه الشركات توظف مئات الاختصاصيين لتحفيز المسؤولين والضغط عليهم، بدعوى أن مصانع إنتاجهم العسكري ضرورية من أجل توفير وظائف. كما ترعى هذه الشركات مراكز دراسات تركز على إبراز «الأخطار الخارجية».
وشركات الأسلحة الأمريكية تعتمد أيضاً على مديرين تنفيذيين عملوا سابقاً لديها ثم أصبحوا يتولون مناصب رفيعة في الحكومة الأمريكية. ومن هؤلاء اليوم وزير الدفاع جيمس ماتيس (عضو سابق في مجلس إدارة شركة «جنرال دايناميكس»)، وكبير موظفي البيت الأبيض جون كيلي (عمل سابقاً لدى عدة شركات أسلحة)، ونائب وزير الدفاع باتريك شاناهان (مدير تنفيذي سابق في شركة «بوينج»)، ووزير الجيش مارك إيسبر (نائب سابق لرئيس شركة «رايثيون»)، ووزيرة سلاح الجو هيذر ويلسون (مستشارة سابقة لدى شركة «لوكهيد مارتن»)، ومسؤولون كبار آخرون في الحكومة الأمريكية.
وإذا راجعنا الماضي، لن نجد في ذلك ما يدعو للدهشة. كما أن «تجارة الموت» هذه ليست بشيء جديد. فعلى سبيل المثال، فإن شركات كبرى عملت لمصلحة ألمانيا النازية (مثل «كروب»)، واليابان الفاشية (مثل شركتي «ميتسوبيشي» و«ساميتومو»)، كانت قد ازدهرت خلال الحرب العالمية الثانية، ولا تزال تزدهر اليوم.
وطالما أن الناس يثقون بقيمة القوة العسكرية، يمكننا توقع أن يواصل «تجار الموت» تحقيق أرباح من الحروب على حساب شعوب العالم.
*بروفيسور فخري في التاريخ بجامعة ألباني في نيويورك – موقع «كومون دريمس»