ماذا حققت العدالة الدولية ؟
جيمس روبينز*
في نهاية 2017، توقفت المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة عن العمل، بعد أن حاكمت بعضاً من أولئك الذين ارتكبوا جرائم في يوغوسلافيا السابقة في التسعينات.
منذ ذلك الحين، ارتكبت جرائم حرب في أنحاء عديدة من العالم، في العراق، وسوريا، وأماكن أخرى. ولكن هل هناك ما يشير إلى أن الفاعلين سيواجهون محاكمة أمام محكمة دولية؟.
هناك أسباب تجعل مجرمي الحرب خائفين من العدالة الدولية، ولكن ليس ما يكفي من الأسباب لجعلهم فزعين جدا.
والمساعي المستمرة لإرساء نظام عدالة دولية يحرم مجرمي الحرب من أي أمل في أن ينجوا بأفعالهم هي مثال حي على ما يمكن أن تحققه دول العالم عندما تعمل معاً. ولكن رفض بعض أقوى دول العالم المشاركة في هذه المساعي، خصوصاً منها الولايات المتحدة والصين وروسيا، يظهر كيف أن هذه المساعي يمكن تقويضها.
وفي أبريل/ نيسان 1995، بدأت المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة النظر في أول قضية تتعلق بجرائم حرب ارتكبت خلال الحروب التي أدت إلى تفكك تلك الدولة. ولكن كثيرين عبر العالم اشتكوا آنذاك من أن المتهم لم يكن سوى جندي مشاة عمل حارس سجن، وليس واحداً من قادة الجيوش العسكريين أو القادة السياسيين المسؤولين عن تلك الحروب والجرائم. والمتهم الذي حوكم آنذاك كان الصربي البوسني داسكو تاديتش. ولكن بعد إدانة تاديتش، امتدت يد المحكمة لتطال بعضاً من المسؤولين على أعلى المستويات، بمن فيهم رئيس يوغوسلافيا السابقة سلوبودان ميلوسيفيتش.
ومع ذلك، يبقى هناك سؤال كبير يطرح اليوم: ما هي احتمالات التزام العالم بتطبيق عدالة قضائية دولية أوسع نطاقاً بكثير من مجرد يوغوسلافيا السابقة ؟.
هناك الآن المحكمة الجنائية الدولية، الأولى من نوعها في تاريخ القضاء الدولي، والتي قررت 120 دولة إنشاءها بموجب ميثاق روما في يوليو/تموز 1998. واستغرقت المصادقة عليها 4 سنوات حتى 2002. ولكن منذ ذلك الحين، كانت إنجازات المحكمة محدودة جدا. وحتى الآن، نظرت المحكمة في 25 قضية، ولكن القضاة أصدروا أحكاماً في ست فقط من هذه القضايا، حيث حكموا بإدانة 9 أشخاص وتبرئة شخص واحد.
وأحد أبرز المآخذ على المحكمة الجنائية الدولية هو أنها حاكمت أساساً متهمين من القارة الإفريقية، إلى درجة أن البعض اقترحوا تسميتها «المحكمة الجنائية الإفريقية» وليس الدولية بسبب تجاهلها نزاعات دولية وجرائم حرب ارتكبت في أماكن أخرى.
ولنلاحظ أن من بين الدول الـ 123 التي تعترف اليوم بالمحكمة الجنائية الدولية وتلتزم بقراراتها، هناك 33 دولة إفريقية. وأبرز الدول التي لم تعترف بالمحكمة هي ثلاث من بين الدول الخمس الكبرى التي تتمتع بحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي: الولايات المتحدة والصين وروسيا.
وذهبت الولايات المتحدة إلى أبعد من تجاهل المحكمة الجنائية الدولية، حيث عقدت اتفاقيات مع العديد من دول العالم تحظر على هذه الدول اتهام أو محاكمة أي عسكري أمريكي بتهمة ارتكاب جرائم حرب.
وكل ذلك يثير أسئلة كبيرة. فكيف يمكن أن تتمتع المحكمة الجنائية الدولية بمصداقية عالمية طالماً أن قوى كبرى مثل الولايات المتحدة ترفض أن تكون لها أي صلة بالمحكمة ؟.
وهل سيكون الاختبار الأكبر للمحكمة الجنائية الدولية هو قدرتها على التحقيق، ثم محاكمة وإصدار أحكام بشأن بعض من مئات، وربما آلاف الأشخاص الذين يعرف عنهم أنهم شاركوا في ارتكاب جرائم منظمة ضد الإنسانية خلال نزاعات وحروب مثل الحرب التي لا تزال دائرة في سوريا؟. وهل هناك إمكانية أن يمثل أولئك الذين ارتكبوا أبشع الجرائم أمام المحكمة في لاهاي؟
*مراسل دبلوماسي لمحطة الـ«بي بي سي» – موقع المحطة