غير مصنفة

عدوان «إسرائيل» على الحقيقة

راي حنانيا*

ينبغي على العرب والمسلمين حشد كل ما لديهم من موارد في القتال من أجل كبرى القضايا، ومن أجل صغراها، التي تبدو في ظاهرها مشادّات عديمة الأهمية.
لا حدَّ لفظائع «إسرائيل»؛ درسٌ ينبغي للعرب أن يفهموه ويضعوه في الحسبان عند التصدّي للإجراءات السياسية «الإسرائيلية».
عندَ «إسرائيل»، ليس هنالك كِذبة أصغر منْ أن تدافع عنها، وسوف تدافع عن أكاذيبها إلى أقصى حدٍّ.
وعند «إسرائيل»، الأمر التافه، لا يقلّ في صراعها أهمية عن الأمر المهمّ.
والجميع يعرفون أن «إسرائيل» خُلقت من الصراع؛ ذلك الصراع، الذي خاضه الإرهابيون اليهود أولاً ضدَّ البريطانيين أثناء الانتداب، وفي وقت لاحق، بعد أن أصبحت «إسرائيل» دولة وطبقت سياسة التطهير العرقي والديني لإزالة أكبر عدد ممكن من غير اليهود من الأراضي التي احتلتها.
في عام 1967، في الحرب التي شنتها «إسرائيل»، احتلت الضفة الغربية، والقدس الشرقية، وقطاع غزة، ومرتفعات الجولان، وسيناء بقوة السلاح. ومع ذلك، لا تزال «إسرائيل» تعيد كتابة التاريخ، لا في المحافل الرئيسية للمعركة البلاغية وحسب؛ بل حتى في أكثر الأمور عاديَّة.
في الأسبوع الماضي، أكدت وزيرة الرياضة «الإسرائيلية» المتعصبة مريام «ميري» ريغيف، أن «الرابطة الوطنية لكرة السلة» (الأمريكية)، ارتكبت خطيئة مميتة؛ بإدراجها في موقعها على الإنترنت، إشارة إلى المناطق الفلسطينية باعتبارها «محتلة». وهذه الكلمة، من بقايا حقيقة شنت عليها «إسرائيل» حرباً لتدميرها، ومن منتجات اتفاقات «أوسلو» واتفاقات «كامب ديفيد» للسلام، التي ذبحتها «إسرائيل» في تسعينات القرن الماضي.
وقد سبق أنْ خدمت ريغيف في الجيش «الإسرائيلي» برتبة عميد، وعملت كواحدة من أشدّ سيدات الدعاية «الإسرائيلية» شراسة. وهي حالياً عضو في الكنيست، عن حزب «الليكود» المتطرف في عدائه للفلسطينيين، وهي وزيرة الثقافة والرياضة «الإسرائيلية».
وقد سارعت الرابطة الوطنية لكرة السلة بالإذعان لتوكيدات ريغيف الزائفة تاريخياً. وأصدرت اعتذاراً فورياً، مُدركة أنه لن يتصدّى أحد للدفاع عن الحقيقة. ولا يهُمّ إن كانت القضية الاستئساد على الرابطة الوطنية لكرة السلة، أو محو حقوق العرب والمسلمين الفلسطينيين، أو اعتقال طفلة فلسطينية جريئة عمرها 16 عاماً، هي «عهد التميمي»، التي صمدت بمفردها أمام الجنود «الإسرائيليين» المسلحين، أو حتى قتل أعداد هائلة من المدنيين في قطاع غزة والضفة الغربية، وكلاهما محتلٌّ من قِبل «إسرائيل» بطريقتين مختلفتين.
وشيئاً فشيئاً، يشجع تقاعس العرب والمسلمين عن تجاوز خطابهم البلاغي، «الإسرائيليين» من أمثال نفاثة الدعاية، ريغيف، أو زعيمها المتطرف، رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
إن ما تدركه «إسرائيل»، ولا يدركه العرب والمسلمون، أنه لا شيء يستحق الرضوخ والتسليم. ويدرك «الإسرائيليون» أيضاً، أن ميدان المعركة الرئيسي من أجل التحكم بنفوذ العالم الغربي هو الولايات المتحدة والشعب الأمريكي.
ويتساءل معظم العرب والمسلمين الذين يقرأون هذه السطور، مَن يهُمّه ما تعتقده الرابطة الوطنية لكرة السلة. ومَن يهمّه ما يذكره موقع الرابطة على الإنترنت عن فلسطين؟ ولكن، إذا كان يمكن إرغام جهة غير مرتبطة بصراع الشرق الأوسط، مثل الرابطة الوطنية لكرة السلة، على الاستسلام، فإنه يمكن عندئذٍ ترسيخ القاعدة لمعارك أهم، من قِبل «إسرائيل». ويمكن التنمُّر على أي شيء وأي أحد.
وعلى عكس العرب والمسلمين، لا يوجد بالنسبة إلى «الإسرائيليين»، شيء ضئيل الأهمية بحيث يُترَك القتال دفاعاً عنه. وتتمثل استراتيجية «إسرائيل» دائماً في أخذ ما يمكن الحصول عليه؛ لأن لديهم ثقة كبيرة جدّاً بأنفسهم، بحيث يمكن أن يأخذوا قطعة صغيرة من الأرض، ويطبقوا ببطء وثبات، استراتيجيتهم بالبناء عليها. وكما يفعلون على مدى أكثر من قرن من الزمن، منذ استولى اليهود الأوروبيون على ما استطاعوا الاستيلاء عليه من الأرض في فلسطين، ليُشيّدوا سرداً مبهراً، لـ«الحقائق» على المدى الطويل.
إن «الإسرائيليين» لا يعيشون في الماضي بالطريقة التي يعيش بها العرب والمسلمون. إنهم يعيشون في ثقة ويقين من مستقبلهم. وهم يرون مستوطنة لا شرعية صغيرة من المهاجرين من أوروبا، مثل مستوطنة غيلو عام 1977، التي تتحول إلى مدينة «إسرائيلية» كبرى سوف تزداد توسعاً؛ لتشمل حلقة أوسع من المستوطنات المقتصرة على اليهود، المسروقة من العرب والمسلمين. «الإسرائيليون» لديهم رؤية وثقة يفتقر إليهما العرب والمسلمون.
ينبغي على العرب والمسلمين حشد كل ما لديهم من موارد في القتال؛ من أجل كبرى القضايا، ومن أجل صغراها، التي تبدو في ظاهرها مشادّات عديمة الأهمية، مثلما بشأن التعارك المغمور، لجعل رابطة رياضية في الغرب، تعدّل ما ورد على موقعها على الإنترنت.
لم تعدّل الرابطة الوطنية لكرة السلة، موقعها على الإنترنت سريعاً وحسب؛ بل أصدرت اعتذاراً شاملاً وكلياً.
قد تبدو مثل هذه القضية ضئيلة الشأن؛ ولكنها ليست كذلك. إنها ليست ضئيلة الشأن إلاّ عند مَن قد لا يُدركون أهميتهم.

*صحفي أمريكي- فلسطيني.
موقع: إلكترونيك انتفاضة


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى