عندما لا تعود الأدوية فعالة
مارتن خور*
لم تُكتشف أي فئة جديدة من مضادات الجراثيم على مدى 26 عاماً، والجراثيم تصمد وتقاوم. وفي غضون بضعة عقود، ربما نموت من عمليات وأمراض مألوفة جداً، تتم معالجتها اليوم بسهولة.
الأزمة المتصاعدة، المتعلقة بمقاومة المضادات الحيوية تستحوذ على اهتمام واضعي السياسات، ولكن ليس بمعدل يكفي لمعالجتها.
وتتأثر العديد من الأمراض بتلك المقاومة، مما يعني أن البكتيريا، لا يمكن قتلها حتى لو تم استعمال أدوية مختلفة مع بعض المرضى، الذين يرضخون للمرض بعد ذلك.
إن أبصارَنا مشدودة إلى مستقبل لا تعمل فيه المضادات الحيوية، ولن يُنقَذ فيه العديد منا أو من أطفالنا، من السل والكوليرا والأشكال القاتلة من الدوسنتاريا والجراثيم التي يتم التقاطها أثناء العمليات الجراحية.
وسوف تناقش منظمة الصحة العالمية في مايو/ أيارالمقبل في اجتماعها السنوي لوزراء الصحة، قراراً حول المقاومة الميكروبية، بما في ذلك خطة عمل عالمية. وكان ثمة قرارات من هذا القبيل من قبل، ولكنْ لم يُتخذ سوى القليل من الإجراءات.
ولعل هذا العام يكون مختلفاً، لأن دولاً قوية مثل المملكة المتحدة أصبحت مقتنعة الآن بأن سنوات من التقاعس أدت لتفاقم المشكلة، إلى أن أصبحت ذات أبعاد يصعب تصورها.
وقد عقدت منظمة «تشاتام هاوس» غير الربحية الموجودة في المملكة المتحدة، اجتماعين في أكتوبر/ تشرين الأول ونوفمبر/ تشرين الثاني الماضيين (مع معهد جنيف للدراسات العليا) حول هذه المسألة، وكان كلاهما برئاسة كبيرة الأطباء في إنجلترا، البروفيسورة «ديم سالي ديفيز».
وقد تبنت هذه المرأة المتميزة مسألة مقاومة المضادات الحيوية، باعتبارها حملة مهنية وشخصية. وفي كتاب حديث من تأليفها بعنوان، «الأدوية لا تعمل»، كشفت في تقريرها الصحي السنوي، أنها قررت في عام 2012، التركيز على الأمراض المعدية.
«إنني لا أتأثر بسهولة، ولكن ما علمته أفزعني، لا كطبيبة فقط، بل كأمٍ، وزوجة وصديقة. كانت النتائج التي توصلنا إليها بسيطة: إننا نخسر المعركة ضد الأمراض المعدية. البكتيريا تصمد وتقاتل، وتصبح مقاوِمة للطب الحديث. وباختصار، الأدوية لا تعمل».
قالت ديفيز للمجتمعين إن المضادات الحيوية تضيف في المتوسط 20 عاماً إلى حياتنا، وإنها على مدى 70 عاماً مكنتنا من البقاء على قيد الحياة، واجتياز إصابات بالعدوى، وعمليات جراحية، كانت حياتنا أثناءها معرضة للخطر.
«الحقيقة هي، أننا نسيء استعمالها، كمرضى، وكأطباء، وكمسافرين، وفي غذائنا»، كما تقول «ديفيز» في كتابها.
«لم تُكتشف أي فئة جديدة من مضادات البكتيريا والجراثيم على مدى 26 عاماً، وهذه تصمد وتقاوم. وفي غضون بضعة عقود، ربما نبدأ نموت من عمليات وأمراض مألوفة جداً، تتم معالجتها اليوم بسهولة».
وفي اجتماعيْ تشاتام هاوس، اللذين حضرتُهما، جرت مناقشة جوانب مختلفة من الأزمة والإجراءات الممكنة. وفي إحدى الجلسات، طرحْتُ ملخصاً للإجراءات اللازمة، ومن بينها:
– المزيد من البحث العلمي حول أسباب المقاومة وانتشارها، بما في ذلك ظهور جيناتٍ مقاومةٍ للمضادات الحيوية، كما هي الحال مع إنزيم «إن دي إم-1»، المتخصص في تسريع وانتشار المقاومة داخل وبين البكتيريا.
– عمليات مسح ودراسات استقصائية في كل بلد، لتحديد انتشار المقاومة للمضادات الحيوية في البكتيريا التي تسبب الأمراض المختلفة.
– مبادئ توجيهية صحية ولوائح في كل بلد، لإرشاد الأطباء متى يصِفون (ومتى لا يصِفون) العلاج بالمضادات الحيوية، وإرشاد المرضى إلى كيفية استخدامها على نحو صحيح.
– لوائح لشركات الأدوية حول التسويق الأخلاقي لأدويتها، وحول تجنب ترويج المبيعات للأطباء أو الجمهور، مما يؤدي إلى الإفراط في استعمالها.
– تثقيف الجمهور في استعمال المضادات الحيوية بشكل سليم، بما في ذلك متى ينبغي عدم استعمالها.
– حظر استعمال المضادات الحيوية في الحيوانات وفي الأعلاف الحيوانية لغرض حفز نمو الحيوانات (بغرض الربح التجاري)، وحصر استعمالها في الحيوانات في معالجة الأمراض.
– تعزيز تطوير مضادات حيوية جديدة، وبطرق (من ضِمنها التمويل) لا تجعل الأدوية الجديدة مُلكية حصرية لشركات الأدوية.
– ضمان حصول الناس العاديين والفقراء في الدول النامية أيضاً على الأدوية الجديدة، التي ستكون بغير ذلك باهظة الثمن، ولا يقوى على استعمالها إلا الأغنياء جداً.
ويشكل اجتماع جمعية الصحة العالمية في مايو/ أيار، فرصة ينبغي عدم تفويتها، لإطلاق خطة عمل عالمية لمعالجة هذه الأزمة.
*المدير التنفيذي لمركز الجنوب، وهو مركز أبحاث للبلدان النامية، ومقرّه جنيف، سويسرا.
موقع: أوُلْ أفريكا