غير مصنفة

ماذا لو قطعت المعونة الأمريكية عن الفلسطينيين؟

علي أبو نعمة*

يتراوح معدل المعونة الأمريكية للسلطة الفلسطينية حول 400 مليون دولار سنوياً- وهي أساساً تفيد «إسرائيل»، من خلال تعزيز الوضع الراهن للاحتلال.
ماذا يحدث إذا نفّذ دونالد ترامب تهديداته بوقف المعونة عن الفلسطينيين؟ إذا كان يقصد قطع التمويل الأمريكي للسلطة الفلسطينية، ممّا ينطوي على احتمال انهيارها، فسوف يسلب «إسرائيل» إحدى أدواتها الرئيسية للحفاظ على نظام الاحتلال، والفصل العنصري الذي تمارسه على الفلسطينيين. وهذا أمرٌ قد يرحّب به العديد من الفلسطينيين.
ولكن، إذا كان يعني خفض التمويل الأمريكي لوكالة الأمم المتحدة لللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، فإنّ ذلك يمكن أن يسبب كارثة إنسانية. وسوف يؤدي إلى إلحاق معاناة بملايين الأشخاص، الذين أرغِموا على الاعتماد على ما توفره (أونروا) من خدمات الصحة والتعليم وأغذية الطوارئ والمأوى، لأن «إسرائيل» تحرمهم جميع حقوقهم.
إن قطع المعونة عن (أونروا)- الذي ذكرت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، نيكي هايلي، أنّ بلادها قد تفعله- ستكون له أيضاً آثار بعيدة المدى، ويمكن أن يزعزع الاستقرار في الأردن ولبنان، حيث يعيش عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين.
وقد واصل الرئيس ترامب التغريد على «تويتر» ضد دول يتهمها بأخذ معونة أمريكية من دون أن تكون تابعة بما فيه الكفاية. وقد كتب: «ليست باكستان فقط التي ندفع لها مليارات الدولارات من أجل لا شيء، بل دول أخرى عدة أيضاً، وغيرها… وعلى سبيل المثال، إننا ندفع للفلسطينيين مئات الملايين من الدولارات سنوياً ولا نحظى بالتقدير، أو الاحترام».
وردّ مكتب عباس على تهديدات ترامب بإعلان أن القدس «ليست للبيع».
وقد تراوح معدل المعونة الأمريكية للسلطة الفلسطينية على مدى العقد الأخير، حول 400 مليون دولار سنوياً- وهي أساساً تفيد «إسرائيل»، من خلال تعزيز الوضع الراهن للاحتلال.
ووفقاً لدائرة البحوث في الكونجرس، كان هذا التمويل «في المقام الأول، دعماً مباشراً لبرامج السلطة الفلسطينية المتعلقة بالأمن، والحكم، والتنمية والإصلاح في الضفة الغربية في عهد عباس»، ويهدف «جزئياً لمواجهة حماس».
وكان كل ذلك في اتجاه الهدف النهائي المتمثل في تعزيز السلطة الفلسطينية كمقاول فرعي للاحتلال – أو كما تعبّر دائرة البحوث في الكونجرس عن ذلك مستخدمة التعابير الرسمية الأمريكية الملطفة – وتهدف المساعدات إلى «تعزيز منع الإرهاب ضدّ «إسرائيل» أو تخفيفه».
ويُدعى دور السلطة الفلسطينية الرئيسي في قمع المقاومة الفلسطينية للاحتلال «تنسيقاً أمنياً»- أي شكلاً من أشكال التواطؤ الذي يعارضه الفلسطينيون من دون استثناء تقريباً، ولكن عباس يصفه بأنه «مقدس».
وقد حذرت إدارة الرئيس باراك أوباما حصرياً من فرض «إعجاز السلطة الفلسطينية عن القيام بمهامها، وانهيارها»، وشددت على دور السلطة الحيوي في توفير الحماية لا «لإسرائيل» فقط، بل للمستوطنين «الإسرائيليين» في الضفة الغربية المحتلة أيضاً.
وبالتحديد، لأن المعونة للسلطة الفلسطينية هي في الواقع معونة ل«اسرائيل»، مارست جماعة الضغط اليهودية (إيباك)، ضغطاً متكرراً على الكونجرس لتمويل السلطة.
وفي أغسطس/آب، منحت «إيباك» دعمها لمشروع قانون يهدد بقطع مساعدات الولايات المتحدة عن السلطة الفلسطينية، ولكن ليس إلاّ بعد إدخال استثناءات لضمان أن الأموال سوف تستمر في التدفق من أجل «التعاون الأمني».
وكان يمكن الرهان دائماً على أن «إيباك» سوف تتدخل لمنع أي قطع للمساعدة عن السلطة الفلسطينية. والآن لا يمكن اعتبار شيء أمراً مفروغاً منه، على الرغم من أن المنظمة تحافظ على التزام شكلي ب«حلّ الدولتين».
ولكن في «إسرائيل»، تزداد هيمنة القادة الذين يطالبون بضمّ معظم الضفة الغربية، ويوجد لديهم مؤيدون أقوياء في إدارة ترامب.
وإذا ذهبت السلطة الفلسطينية، فلن يكون ما يُعرف بالمجتمع الدولي قادراً على التظاهر بأن هنالك دولة فلسطينية منتظرة، وسوف يُضطر إلى التعامل مع الحقيقة المتمثلة في أن «إسرائيل» تبسط حكمها المباشر على ملايين الفلسطينيين الذين ليس لهم أي حقوق على الإطلاق، لا لشيء سوى أنهم ليسوا يهوداً.
ومن المنظور الفلسطيني، فإن المسار الوحيد القابل للتطبيق بعد انهيار السلطة الفلسطينية هو القيام بحملة من أجل الحقوق الفلسطينية الكاملة في كل جزء من فلسطين التاريخية: أيْ حلّ يقوم على وجود دولة واحدة ديمقراطية غير طائفية، لمجابهة نسخة الفصل العنصري التي تفرضها «إسرائيل».
وإذا كان المقصود قطع المساعدات عن (أونروا)، فمن المعروف أن الولايات المتحدة، إلى جانب الاتحاد الأوروبي، من أكبر المتبرعين لهذه الوكالة، التي وفرت 830 مليون دولار من ميزانية الوكالة البالغة 1.1 مليار دولار عام 2015.
وتتولى وكالة (أونروا) تقديم الخدمات الصحية والتعليمية الأساسية لأكثر من خمسة ملايين لاجئ فلسطيني، بمن فيهم نصف مليون من أطفال المدارس.
وليس من الواضح تماماً ما إذا كانت «نيكي هايلي» تعني أن الولايات المتحدة سوف تقطع المعونة عن وكالة (أونروا). ولكن الواضح هو أن فعل ذلك سوف يُلحق معاناة إضافية لا توصف ببعض أشدّ الناس ضعفاً في العالم.

*مؤلف كتاب «بلد واحد: اقتراح جريء لإنهاء الجمود «الإسرائيلي» الفلسطيني»، وزميل في «مركز فلسطين» في واشنطن العاصمة.
موقع: «كومون دريمز»


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى