التفاوت في الثروات يقتل البشر
بول بوكيت*
التفاوت الاقتصادي لا يؤدي فقط إلى حياة بذخ بالنسبة للأثرياء وحياة حرمان بالنسبة للفقراء، بل يؤدي أيضاً إلى اتساع الهوة بين متوسط العمر المتوقع لكل من الأثرياء والفقراء.
هناك أدلة كثيرة على اتساع نطاق عجز أناس عبر العالم عن تأمين الاحتياجات الأساسية للصحة الجسمانية والاستقرار النفسي وكسب دخل يؤمن احتياجات المعيشة ويلبي الرغبة في العيش بسلام.
ومعظمنا يدرك الحاجة إلى مظهر ما للمساواة في علاقاتنا مع الآخرين. غير أن مجموعة صغيرة من عائلات ثرية بشكل مريع عبر العالم – خصوصاً في أمريكا – تكسب مزيداً ومزيداً من السلطة إلى جانب ثرواتها. وهم يجعلون من شبه المستحيل إبطال التأثيرات المميتة لمجتمع غير متساو بصورة غير طبيعية. وأحد أسباب ذلك هو أنهم لم يعودوا على اتصال بالعالم إلاّ من خلال ممتلكاتهم. وهم يسيطرون علينا، ويحرمون مؤسساتنا العامة من التمويلات الكافية، ويمقتون أي شكل من التعاضد الاجتماعي، ويحملون الفقراء مسؤولية كونهم فقراء. ولم تعد هناك وسائل لإحياء شيء من التوازن.
وفي الواقع، أغنى 0.1% لديهم ثروات ضخمة بإفراط. وفي الولايات المتحدة، حيث التفاوت في الثروات مفرط ويزداد اتساعاً، نجد أن:
– أغنى 24 ألف فرد (أي ال 0.1%) لديهم في المتوسط ثروة تبلغ 400 مليون دولار.
– أفقر 120 مليون فرد (أي ال 50% في أسفل السلم الاقتصادي ) لديهم في المتوسط «ثروة» تبلغ بحدود 8500 دولار.
والتفاوت على مستوى العالم مماثل في انعدام التكافؤ:
– أغنى 500 ألف فرد (ال 0.1%) لديهم ثروة تقدر في المتوسط ب 30 مليون دولار.
– أفقر 2.5 مليار إنسان بالغ (ال 50% في أسفل السلم الاقتصادي ) لديهم ثروة تقدر في المتوسط بحدود 673 دولاراً.
وما يزيد التفاوت سوءاً هو التخفيضات الضريبية، وتأجيل دفع الضرائب، ووجود ملاذات ضريبية في الخارج. وقد قال القاضي في المحكمة العليا الأمريكية أوليفر ويندل هولمس (1841- 1935) مرة: «الضرائب هي ما ندفعه إلى مجتمع متحضر».
غير أن الليبرالية الجديدة تستهين بأنظمة الرقابة الحكومية، ونتائج ذلك دوت عبر العالم من خلال نشر «أوراق بنما» (الوثائق السرية التي تسربت لتكشف فضائح تهرب الأثرياء من دفع الضرائب) و«أوراق الجنة» (الوثائق السرية التي تسربت لتكشف فضائح الشركات الوهمية): فعلى الرغم من المكاسب اللامتناهية التي يحققها أغنى أفراد وشركات من المجتمع – بفضل النظام المالي، وقوانين الضرائب، وتكنولوجيا الكمبيوتر، وقوات الأمن – فإنهم يخفون مكاسبهم بدلاً من أن يدفعوا ضرائب عن كل ما يكسبون. وتظهر دراسات موثقة أن 14 تريليون دولار من الثروة العالمية (وهذا رقم يكاد لا يصدق) أخفيت في ملاذات ضريبية في الخارج. وهذه المبالغ تعادل تقريباً مجمل ثروة المملكة المتحدة.
والآن، كيف التفاوت يقتل؟.
تظهر دراسات علمية أن الفجوة في متوسط العمر المتوقع بين أغنى 1% وأفقر 1% في الولايات المتحدة تستفحل، بحيث أن متوسط العمر المتوقع للطبقات الأكثر فقراً أصبح مساوياً الآن لمثيله في بلدان مثل السودان وباكستان. وبعد عقود من التقدم في طول العمر، فإن هذا التبدل الصاعق حدث بالتزامن مع تراجع مداخيل العمال الأمريكيين وانخفاض فرصهم في التوظيف.
والأمر ذاته ينطبق على وفيات المواليد، حيث أثبتت الدراسات العلمية أن معدلات بقاء المواليد هي الأعلى في البلدان التي يوجد فيها قدر أكبر من المساواة. والأمريكيون على جميع مستويات المداخيل يعانون من مستويات أعلى من الضغط النفسي والأمراض العقلية مقارنة مع الوضع قبل 40 سنة. وحتى أفراد الشريحة الأعلى من الطبقة المتوسطة يعانون من مشكلات صحة عقلية.
وليس من الصعب رؤية التأثيرات المماثلة للتفاوت الاقتصادي في الأنحاء الأخرى من العالم.
*بروفسور وكاتب أمريكي – موقع «كومون دريمس»