أمريكا اللاتينية تضيّق الفجوة في الدخل
اليس ايفانز*
خلافاً للاتجاه السائد في العالم، انخفض التفاوت في الدخل في أمريكا اللاتينية، وذلك لعدة أسباب، منها التحولات في سوق العمل، والارتقاء بالخبرات وغير ذلك.
التفاوت في الدخل يكتسب اهتماماً. والخبر السارّ هو أننا نعرف كيف نتعامل معه: عن طريق فرض ضرائب على الثروة العالمية، وتوفير دخل أساسي عالمي، وتوسيع نطاق الحصول على تعليم جيد، وتعزيز العمل اللائق.
أمّا الخبر السيىء فهو أن العديد من الحكومات غير معنية بذلك- ولا ناخبوها. ولكبح تصاعد عدم المساواة، نحتاج أن نفهم ما يُحرّك المقاومة، والتسييس وتجاوب الحكومة.
وتقدِّم أمريكا اللاتينية بعض الدروس المفيدة. هنا، هبط التفاوت في الدخل فعلاً، كما يبيّن انخفاض متوسط مؤشر جيني بنسبة 13% من عام 2000 إلى عام 2012. وهذا يعاكس الاتجاه العالمي، المتمثل في تصاعد عدم المساواة.
انخفض التفاوت في الدخل في امريكا اللاتينية لأسباب منها التحولات في سوق العمل. ارتفعت أجور الفقراء بسبب ازدهار السلع (الذي غذى الطلب على العمالة غير الماهرة)؛ وارتقاء الخبرات (الذي ييسره الاستثمار الحكومي في التعليم)؛ وتنشيط سوق العمل (إنفاذ قوانين العمل وزيادة الحدّ الأدنى للأجور).
واستُكمِل ذلك بإعادة توزيع الثروة. فارتفاع الإنفاق العام على الرعاية الصحية، والتعليم والحماية الاجتماعية حسّن التغطية والجودة لجميع المواطنين.
وعلينا الآن أن نفهم لماذا تم اعتماد هذه السياسات. أعتقد أن هنالك ثلاثة تفسيرات ممكنة: ازدياد إيرادات الحكومة (نظراً لازدهار السلع)؛ وإشاعة الديمقراطية (حفز الأحزاب السياسية لاكتساب الناخبين الفقراء)؛ والحركات الاجتماعية التي تجعل عدم المساواة قضية سياسية.
ولكن لماذا اختارت الحكومات إعادة توزيع النخبة، بدلاً من إثرائها؟ كانت اقتصادات أمريكا اللاتينية قد نمت أيضاً في تسعينات القرن الماضي، ولكن التفاوت ظل مرتفعاً جدّاً (تماماً كما في الولايات المتحدة اليوم). ولكن في العقد الأول من القرن، شهدنا دعماً متزايداً للأحزاب اليسارية، يبشر بإعادة التوزيع.
وقد يساعد إرساء الديمقراطية على تفسير انخفاض التفاوت. فالرغبة في تأمين الأصوات والاحتفاظ بالسلطة، ربما تكون قد وفرت حافزاً للأحزاب السياسية لملاطفة الناخبين الفقراء، والتعاطي مع همومهم.
بيْد أنه لا يوجد دليل قوي على أن الديمقراطية تقلل التفاوت. كما لا يبدو أن الديمقراطية تزيد الإنفاق الاجتماعي في أمريكا اللاتينية. وعلاوة على ذلك، أن الأفقر من الناس، لا يصوّتون بالضرورة للأحزاب اليسارية.
ومع ذلك، عندما ننظر إلى فترة امتدت 20 عاماً، نجد أن إرساء الديمقراطية مرتبط بزيادة الإنفاق الاجتماعي وانخفاض التفاوت في الدخل. ويبدو أن الديمقراطية تهيّىء عوامل مهمة أخرى، مثل التنظيم اليساري.
وإحدى العمليات الطويلة الأجل، هي التعبئة الاجتماعية التي أدت إلى تسييس عدم المساواة.
فقد كان أداء أحزاب السكان الأصليين، التي تمثل بعض أفقر المجموعات في أمريكا اللاتينية، أفضل في البلدان التي توجد فيها حركات اجتماعية أصلية أقوى وأكثر اتحاداً.
وكان للإضرابات أيضاً أثر إيجابي طويل الأجل على الإنفاق الاجتماعي. وكانت التظاهرات بقيادة جمعيات الأحياء السكنية، والناس المحرومين من الأرض، والعمال العاطلين عن العمل، ومزارعي الكاكاو، والمنظمات النسائية، والمتقاعدين والطلاب.
وكانت التحركات تبدأ من منطلق المصلحة الاقتصادية إلى حدّ كبير.
ومع أن التعبئة الاجتماعية كانت ناتجة عن التحرير الاقتصادي، فإنها حفزت بعد ذلك حدوث تحول في الأفكار. فمن خلال تبادل الخبرات في المسيرات وعند حواجز الطرق، وإدراك المظالم المشتركة، وإيجاد الثغرات في الليبرالية الجديدة الكلاسيكية، والاحتفال بالهويات المهمشة ورؤية مقاومة واسعة النطاق للوضع الراهن، اكتسب الكثير من الأمريكيين اللاتينيين الثقة بإمكانية التغيير الاجتماعي.
ولتضخيم المقاومة ضدّ عدم المساواة، ينبغي تغيير المفاهيم المتعلقة بالمعايير. وتشير أبحاثي في أمريكا اللاتينية، إلى أهمية رؤية مقاومة واسعة النطاق، وإدراك قوة التنظيم الجماعي، وتأمين استجابة الحكومات- وإدراك أن اللامساواة يمكن خفضها بصورة جذرية.
*محاضِرة في التنمية الدولية (جامعة كينغز كوليدج لندن).
موقع: «ذي كنفرسيشن»