ما ورائيات التلاعب بالمورّثات

عبد اللطيف الزبيدي
هل تبشّر أم تنذر هذه التجارب العلميّة الخارقة بمستقبل مجهول؟ بعد البذور المعدّلة وراثيّاً، نحن الآن أمام حقيقة الحيوانات التي يجري تعديل جيناتها. أبقار بلا قرون، ماعز أغزر شعراً للكشميرا، دجاج يقاوم إنفلونزا الطيور، أنعام أضخم عضلات.. إلخ.
قفزات عملاقة في علم الوراثة، أتاحت النسخ واللّصق في مستوى الحمض النوويّ. صار الباحثون يستطيعون تغيير المورّثات بالطريقة المطلوبة، بذلك يحصلون على حيوانات «مفصّلة تفصيلاً» طبقاً للمقاييس المحدّدة. لا شك في أن البذور المعدّلة وراثيّاً أيسر إنتاجاً في زمن أقصر، من الحصول على أجنّة حيوانات تلاعب العلم بمورّثاتها، لزيادة الحليب والصوف والشعر واللحم. لكننا في الخطوة الأولى على طريق الألف ميل. «اللياليّ حبالى لست تدري ما تلدْ».
قال العلم: الآن، دع لي المقود. ماذا يعني هذا؟ما الذي يمكن أن يحدث إذا انبرت إلى الساحة العالميّة، قوّة علميّة شرّيرة، وأرادت تغيير الكوكب إلى مسبعة جهنميّة لا تبقي ولا تذر. حينئذ تغدو الأخلاق والمواعظ والحكمة هباء تذروه العواصف القواصف. في عالم الغد، من ليس له علوم ليس له وجود. الأخلاق بلا قوة تحميها خيال مآتة. إذا كنت قادراً مخبريّاً على إنتاج ثيران أصلب عضلات، فلن يعجزك في ظرف عقدين إنتاج مليون محارب الواحد منهم بمئة، في الأقل، غير العساكر المألوفين في الجيوش التقليديّة.
هذا ليس سوى وجه من وجوه الممكن. الأدهى هو أن ينضم إلى الفريق خبراء العلوم العصبيّة، الذين يتلاعبون بالأمور النفسيّة والمعنويّة: مقاتل ديناصوريّ لا يعرف الخوف والشفقة والرحمة والإنسانيّة، ينفّذ الأوامر كالروبوت. ولمَ لا تدخل الفانتازيا الوراثية مجال الإخراج المرعب؟ مقاييس بدنيّة غير آدميّة، مع قرون تبقر وتعقر، ونيوب من أسماك القرش والأسود؟ تمسي أفلام الخيال العلميّ، هي الواقع. الروبوتات الحربية لم تعد أساطير، فهي تضاف إلى الآدميين غير الآدميين، لتنفيذ الأعمال اللوجيستيّة. إذا توهّم أحد أن المشاهد عبط وأكل زلط، فلا علم له بحادثات الليالي، التي تنتظر الغافلين عن أسلحة العلوم ذات الحدّين، ولا بمفاجآت تقانة النانو واستخداماتها في الحروب ولا ولا…
ما نحن في صدد الحديث عنه كمستقبل، قد يكون العلماء أنجزوه منذ سنين، فالانطلاقة الكبرى في علوم الوراثة تعود إلى العقد الثامن من القرن الماضي. ما قد يفاجئنا حقّاً، هو أن نرى عياناً أن أقصى تصوّرنا ليس سوى «لعب عيال» في أذهان علماء السيناريوهات الجهنميّة.
لزوم ما يلزم: النتيجة التربويّة: نضع في كل وزارة تربية وتعليم عربيّة، مسحّراتي «اصح يا نايم، عقلك عايم».
abuzzabaed@gmail.com