مقالات عامة

القاتل في صمت

نور المحمود

يتسلل ليلاً ليترك الرماد والسواد خلفه. يخطف أنفاس النيام، يسرقهم من الحياة ويرحل. هذا القاتل في صمت، ما باله يخنق الأطفال بلا رحمة؟ تسلل بنيرانه ودخانه إلى بيت أم فقدت زوجها قبل عام، لكنها ضمّدت جراحها بوجود أبنائها الصغار السبعة حولها، صبرت وتسلحت بالأمل، فإذا بالقاتل يأتي بنيرانه ودخانه ليلاً، ليأخذ الأطفال كلهم دفعة واحدة، ويتركها تتقلب على جمر الحسرة أبداً.
جريمة تسجل باسم من؟ مرتكبها ماس كهربائي تسبب في تسرب الدخان في البيت والأطفال نيام. استيقظوا، حاولوا مقاومته، وابن ال 12 عاماً تصرف كرجل مسؤول عن إخوته فجلب دلو ماء، لكنه لم يستطع الصمود هو أيضاً، ليرحل تاركاً الدلو والماء والحياة.
الحادثة المفجعة التي هزتنا جميعاً في الإمارات، تضعنا أمام مسؤولية لا بد أن نعي أهميتها، وألا يتعامل أحد مع الأمر باعتباره «حادثاً فردياً»، وكأن ما يصيب الآخرين لا يمكن أن يصيبه يوماً. حوادث الاختناق بسبب الدخان والماس الكهربائي أثناء النوم ليست قليلة، تتكرر من حين لآخر، وتكون دائماً قاسية، تخطف مجموعة أفراد من أسرة واحدة وتهز المجتمع.
نحن شركاء في المسؤولية، كيف؟ البعض مسؤول عن الإهمال في حق بيته، بتغاضيه عن الالتزام بشروط السلامة، مثل تأمين مطافي الحريق وأجهزة إنذار، أو بعدم تأمين أكثر من مخرج للبيت يمكن الاستعانة بأي منها للهروب في حال الحريق. والبعض يتجاهل التحذيرات الكثيرة من خطورة ترك الأجهزة الكهربائية غير المستخدمة مفتوحة وموصولة أثناء النوم، لاسيما أننا نعيش داخل بيوت جدرانها مغلفة بالأسلاك الكهربائية والتوصيلات والأشرطة الممدودة في كل مكان، لنتمكن من استخدام التلفزيون والألعاب والأجهزة الإلكترونية والأنترنت..
البعض مسؤول أيضاً عن التسبب في الحرائق بسبب سعيه – عن جهل ربما- خلف «التوفير» في ثمن الوصلات الكهربائية، فيشتري الأقل سعراً، دون مراعاة جودة التصنيع وبلد المنشأ وأن يميّز بين البضاعة الأصلية وتلك المقلّدة التي يكون عمرها قصير جداً، وتسبب تلفاً في الأجهزة الكهربائية أو حدوث أضرار داخل المنزل تكون محدودة أحياناً وكارثية أحياناً أخرى.
الفاجعة ليست حادثاً عابراً، والمفروض أن نتعلم كيف نلتزم بكافة شروط الأمان والسلامة، وأن نعلمها جدياً للأبناء بشتى الطرق، والأهم إدراجها في المناهج التعليمية ضمن المواد الإلزامية للحفظ والتطبيق، كي تصير حماية أنفسنا وبيوتنا وبيئتنا ومجتمعنا من كل المخاطر التي قد نتعرض لها، سلوكاً مجتمعياً تلقائياً، خصوصاً أن الحوادث الإلكترونية أصبحت جزءاً من واقعنا ومن مخاطر الحياة العصرية. فلماذا نتجاهلها وكأنها شيء ثانوي وعابر، بينما هي تخطف الأطفال أثناء نومهم وتحرق قلوب الجميع؟

Email: noorlmahmoud17@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى