آلية دولية لرعاية المفاوضات!

د. ناجى صادق شراب
الفلسطينيون يريدون مفاوضات برعاية دولية بديلاً للاحتكار الأمريكي؛ وذلك بعد تبني واشنطن وجهة النظر «الإسرائيلية» بالمطلق، وبعد قرار الرئيس ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لـ«إسرائيل».
«الإسرائيليون» من ناحيتهم، يرفضون أي شكل من أشكال الرعاية الدولية للمفاوضات، أو فرض شروط دولية على أية مفاوضات، ويطالبون بمفاوضات مباشرة ثبت فشلها.
يبقى هذا المقترح بحاجة لمزيد من التوضيح من حيث أهدافه وآلياته، فالرعاية الدولية في أوسع معانيها ليس المقصود منها تدويل القضية الفلسطينية، وتحميل الأمم المتحدة مسؤولياتها؛ بل تنفيذ قرارتها التي أصدرتها بشأن القضية الفلسطينية، وثانياً مسؤوليتها في إنهاء الاحتلال «الإسرائيلي»، وقيام الدولة الفلسطينية.
المقصود بهذا الاقتراح، أن يتم تشكيل لجنة دولية مكونة من عدد من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بما فيها الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، وليس المقصود تكرار أو نسخ الرباعية الدولية، التي انبثقت عن «مؤتمر أنابوليس»، الذي تبناها جورج بوش الأب، التي ثبت فشلها؛ لأنها لم تخرج عن الرعاية الأمريكية لها جرّاء رئاسة توني بلير رئيس وزراء بريطانيا السابق لها بحكم تعاطفه مع «إسرائيل»، وباعتباره مجرد تابع للولايات المتحدة. والسؤال هل يتم تشكيل اللجنة الدولية عبر عقد مؤتمر دولي ك«مؤتمر باريس» الأخير، الذي حضرته أكثر من خمسة وعشرين دولة، ثم تعرض على مجلس الأمن لتلقي الدعم والتأييد لمهامها، والقبول بقراراتها فيما بعد؟ أم يتم تشكيل هذه اللجنة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة على غرار اللجنة، التي شكلتها عام 1947، وقدمت توصياتها بتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية، ووضع القدس تحت الوصاية الدولية، وتم تبني توصياتها من قبل مجلس الأمن، التي على أساسها تم قبول عضوية «إسرائيل» في الأمم المتحدة؛ لكن الأمر الآن يختلف كثيراً في معطياته ومحدداته عما سبق من تطورات وقضايا ومواقف.
لا شك في أهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه الأمم المتحدة، كمنظمة دولية تدافع عن الشرعية الدولية ومعنية بتثبيت السلام والأمن الدوليين. والقضية الفلسطينية بلا شك تمثل صلب الأمن والسلم الدوليين. إلا أن فاعلية الأمم المتحدة ودورها يتوقف على دور الدول الأعضاء، وخصوصاً الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، وهنا نعود للدور الأمريكي، الذي يمكن أن يعيق تشكيل أية لجنة دولية باللجوء إلى استخدام «الفيتو»، خصوصاً أن تشكيل مثل هذه اللجنة أو الرعاية الدولية قد يدخل في المسائل الموضوعية التي تحتاج لتأييد الخمسة الدائمين، ومع ذلك يبقى المقترح قائماً، وقد يشكل بديلاً لأية رعاية تقوم بها دولة أو أكثر. وما سيدعم هذه المقترح أنه في حال تشكيل اللجنة سيتوفر لها الحيادية والموضوعية. فإشكالية هذا الاقتراح تكمن أولاً في عدم قبول «إسرائيل» والولايات المتحدة بها؛ لكن يمكن التغلب على هذه الإشكالية بتبني الاقتراح بالأغلبية من قبل الجمعية العامة.
لكن تبقى هذه الرعاية محكومة بإرادة الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، ولنجاح هذه اللجنة والقيام بدورها تحتاج لتنازلات مهمة تتعلق بالاستيطان، الذي تقوم به «إسرائيل» والانسحاب إلى حدود 1967، والقبول بقيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس، وإقرار حق العودة.
الحقيقة تبقى في أن الرعاية الدولية مرتبطة بتوازنات القوى الإقليمية والدولية، وبصلابة الموقفين الفلسطيني والعربي.. وهذا هو الأساس.
drnagishurrab@gmail.com