أجندة 2063 الإفريقية

كمال بالهادي
بالرغم من الخلافات الكبيرة بين الدول الإفريقية، وبالرغم من الأزمات التي تعصف ببعض بلدان القارة السمراء، وبالرغم من أطماع القوى الخارجية التي لم تكفّ يوماً عن نهب ثروات القارة الفقيرة والجائعة والغنية في نفس الوقت، فإن الدول الإفريقية استطاعت أن تضمن الحد الأدنى من تنسيق الجهود، حيث كانت القمة الثلاثون للاتحاد الإفريقي فرصة لمناقشة أجندة 2063.
يحقق عدد من دول القارة نسب نموّ هي الأرفع على مستوى عالمي في السنوات الأخيرة، وتشير تقارير البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، إلى أن القرن الحادي والعشرين سيشهد نهضة الجنوب، وستكون إفريقيا القارة التي ستشهد أفضل مستويات التنمية البشرية، وذلك بفضل مواردها الضخمة، وبفضل ارتفاع نسبة التعليم وبرامج مكافحة الفساد وترسيخ الديمقراطية، وضمن هذا الإطار تتنزل أجندة 2063 التي يناقشها القادة الأفارقة، غير أن هذه الطموحات تواجه عراقيل ذاتية وموضوعية ستشكل تحديّاً أمام تحقيق أهداف هذه الأجندة.
تمثل أجندة 2063، استراتيجية إفريقية للبناء الذاتي، وهي تعمل على استغلال الموارد الذاتية في بناء إفريقيا الجديدة والتقدمية. وتهدف الأجندة إلى ترسيخ الديمقراطية ونشر العدالة الاجتماعية من خلال تعزيز الحوكمة، وفرض سيادة القانون، وتعزيز قيم السلم والأمن في قارّة عانت طويلاً الصراعاتِ والحروبَ الأهلية. إن بناء إفريقيا الجديدة يتطلب هذه الثورة السياسية الهادئة، التي ستكون سدّاً منيعاً أمام ارتداد دول القارة إلى مرحلة ما قبل المجتمع وما قبل الدولة. والثورة السياسية هي اللبنة الأولى في مسار طويل، يكون من بين غاياته تحقيق النهضة الاقتصادية، التي ستجعل شباب القارة يتراجع عن إلقاء نفسه طعماً لأسماك البحر المتوسط في رحلات الهجرة اليائسة نحو أوروبا.
وتهدف أجندة 2063 في بعدها الاقتصادي إلى القضاء على الفقر بحلول عام 2025، وإطلاق ثورة في مجالات العلوم والتكنولوجيا والابتكار. وإلى ربط دول إفريقيا من خلال بنية تحتية ذات مستوى عالمي، من خلال حملة منسقة لتمويل وتنفيذ مشروعات البنية الأساسية في قطاعات النقل والطاقة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، إضافة إلى الإسراع في إنشاء «منطقة التجارة الحرة القارية»، وصولاً لمضاعفة التجارة الإفريقية البينية بحلول عام 2022.
وتمتلك القارة الإفريقية موارد مهمة، ما يؤهلها لأن تكون قوة اقتصادية مستقبلية، خاصّة أنّها تمثل مجالاً جغرافياً قابلاً للاستثمار في العقود القادمة، ويعطيها الفرصة لأن تكون إقليماً اقتصادياً تنافسياً يضاهي التكتلات الاقتصادية الكبرى، فهي سوق استهلاكية قوامها مليار و216 مليون نسمة، في إحصائيات تعود للعام 2016، أي تمثل ثالث أكبر تجمع بشري بعد الصين والهند. ومما يساعد على تحقيق هذه المهام، هو وجود مؤسسات سياسية ممثلة في الاتحاد الإفريقي، ومؤسسات مالية واقتصادية ممثلة في البنك الإفريقي للتنمية. إلاّ أن طريق تنفيذ أجندة 2063، ليست سالكة بالدرجة التي يعتقد فيها الكثيرون أن إفريقيا يمكن أن تكون في بضع سنوات أو عقود مثل أوروبا؛ لأن التحديات الداخلية والخارجية قد تكون بمثل عظمة الإمكانات والموارد، التي توجد في هذه القارة.
بالنسبة للتحديات الخارجية فتتمثل في أجندات معاكسة للأجندة الإفريقية المستقبلية، وهي أجندات تريد استعادة أدوار قديمة للقوى التي احتلت إفريقيا وسيطرت على مواردها، وكانت سبباً مباشراً في بقاء القارة متخلفة حبيسة صراعاتها الدينية والقبلية، التي منعت كل محاولة للتقدم.
إلا أن التحديات الداخلية تبقى هي التحدي الأكبر، أمام تنفيذ بنود الأجندة. فهل يمتلك الأفارقة -على اختلاف ألوانهم وأعراقهم- وعياً موحداً حول مستقبل القارة؟ أَو لا توجد أجندات أخرى مضادة هدفها توحيد قدرات الأفارقة ومنعهم من تشكيل قوة دولية عظمى يكون لها دور استراتيجي في الخريطة الدولية في المستقبل؟ هناك حقائق لا يمكن الهروب منها، وهي تمثل عائقاً رئيسياً أمام تكوين اتحاد إفريقي شبيه بالاتحاد الأوروبي، وأول هذه العوائق هي النزاعات والصراعات التي ما زالت تعصف بالعلاقات بين دول القارة، إضافة إلى التهديد المتمثل بالخطر الإرهابي. وعليه فإنّ أجندة 2063، هي أجندة طموحة، تتطلب خطوات عقلانية وحراكاً سياسياً وإعلامياً وثقافياً، يعزز انفتاح شعوب القارة بعضِهم على بعضٍ، ويمهد لتجاوز عراقيل اللغة والدين والعرق، ويسمح باستلهام نموذج الاتحاد الأوروبي، في الحديقة الخلفية لأوروبا.
belhedi18@gmail.com