الشعوب.. إذ تبذر بذور الحرب

د. محمد الصياد
تبدأ الأمور بالسير بشكل يبدو اعتيادياً، وهي تتهادى في سياقاتها، قبل أن تصل إلى مستقراتها. حينئذ، فقط، يبدأ بعض أولئك الذين أخذتهم الغفلة، وأولئك الذين ذهب الحماس العاطفي بألباب عقولهم ورجاحتها، بضرب أخماس في أسداس، عاضِّين أصابعهم ندماً على ما اقترفوه من ذنب، يوم لا يكون لهذا الندم من معنى سوى الملامة البلهاء الفارغة.
حدث هذا عندما جاء الشعب الألماني بهتلر إلى السلطة وإيصاله إلى منصب مستشار ألمانيا وسط اضطراب سياسي عصف بالبلاد؛ جرّاء معاناتها أزمة الكساد العظيم في عام 1930. يومها حصل الحزب النازي على دعم مادي من كبار رجال أعمال ألمانيا وأثريائها، بعد أن كان على وشك الإفلاس؛ بسبب الكلفة الضخمة لحملته الانتخابية، التي أطلقها في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 1932، التي فقد فيها الحزب بعض مقاعده، وإن احتفظ بوضعه كأكبر حزب في الرايخستاج؛ بحصوله على نسبة 33.1% من الأصوات؛ بل إن رجال الأعمال الألمان خاطبوا الرئيس الألماني باول فون هيندنبورغ، وضغطوا عليه؛ لكي يقوم بتعيين هتلر رئيساً للحكومة بزعم «أن هذا من شأنه أن يُبهج إلى أقصى الحدود الملايين من المواطنين المُتيّمين به». فكان أن خضع هذا الرجل السياسي المسن ذو الخلفية العسكرية للضغط، وقام بتعيين هتلر على رأس حكومة ائتلافية شكلها حزب العمال القومي الاشتراكي الألماني، وحزب الشعب الوطني الألماني.
في إيطاليا أيضاً، قاد بينيتو موسوليني، أو ال«دوتشي»، أي (القائد)؛ وهو اللقب الذي خلعه قطاع واسع من الشعب الإيطالي عليه، تظاهرة ضخمة في عام 1922 شارك فيها الآلاف من أصحاب القمصان السود، الذين وفدوا على العاصمة روما من مختلف المدن الإيطالية وسط أوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية متردية. وكانت أعين موسوليني الذي تحول من الاشتراكية إلى الفاشية، مسلطة على السلطة؛ حيث هيأت له أوضاع البلاد البائسة، الظروف لشن حملة «ديماغوجية» حرَّك بها غرائز العاطلين عن العمل والجنود المسرحين بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى في 1919، وملايين البائسين الفاقدين للأمل في المستقبل؛ لكي يملأ الفراغ السياسي والروحي الناتج عن مرارة هزيمة بلادهم في الحرب العالمية الأولى. وتحت هذا الضغط، خضع ملك إيطاليا آنذاك فيكتور عمانويل الثالث، آخر ملوك مملكة إيطاليا، ل«الأمر الواقع»، وطلب من موسوليني تشكيل حكومة برئاسته في 31 أكتوبر/تشرين الأول 1922.
اليابان تنهض اليوم نموذجاً معاصراً – لما بعد الحرب العالمية الثانية ودروسها وعبرها – لمسؤولية الشعب عن توريط بلاده والزج بها في متاهات بالغة الخطورة يمكن أن تقودها إلى الحرب والدمار. فلقد انتهز رئيس الوزراء الياباني شنزو آبي فرصة ما تمخضت عنه «سياسة الصعود بالصدمة» للاقتصاد (مقاربة نيوليبرالية تثوِّر محركات الاقتصاد لدورة قصيرة)، وقام مع حزبه الحاكم؛ (الحزب الديمقراطي الحر)، بتنظيم انتخابات مبكرة في شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، حصل بموجبها على تفويض مفتوح من الشعب لقيادة دفة البلاد ما فتح الباب واسعاً أمامه؛ لتعزيز قبضته على السلطة وتحقيق هدف تعديل الدستور، وخاصة المادة التاسعة التي تقيد حجم ووظائف الجيش الياباني، والعمل على بناء ترسانة عسكرية ضاربة كما تعهد بذلك منذ أن تقلد منصبه رئيساً للوزراء في ديسمبر/كانون الأول 2012.
ولا ننسَ أن هذا السياسي بنزعاته ، لا يعترف في قرارة نفسه بأخطاء الطغمة الفاشية،. ولا أدري كيف فوض الشعب الياباني شنزو آبي وهو الذي لا يخفي نزعاته الحربية، الذي لم يتردد لحظة في إظهار مناصرته للقيادة العسكرية اليابانية، التي ورَّطت اليابان في الحرب العالمية الثانية، من خلال زيارته مزار ياسوكوني (Yasukuni Shrine)، الذي يضم رفات قادة الحرب اليابانيين، ويرمز إلى «العسكرتارية» اليابانية وأعمالها اللاإنسانية إبان الحرب العالمية الثانية!
alsayyadm@yahoo.com