حوارية الزمني والديني

عبد اللطيف الزبيدي
قلت للقلم: في هذه الجمعة، دعنا من عناء السياسة. هذا مرعى شائك. قل شيئاً في الدين ينعش الروح. قال: أتغمز من قناة اللغة، التي اشتقّت النعش والإنعاش من جذر واحد، وبينهما غرفة «إن عاش». ما دمت مللت جعجعة السياسة بلا طحن، فما رأيك في تبرئة الدين من أفعال الذين يتسلقون أشجاره الباسقات لجني ثمار سدّة الحكم؟
قلت: ليس هذا بجديد، فأبو العلاء يقول: «إنما هذه المذاهب أسبا.. بٌ لجلب الدنيا إلى الرؤساءِ». عقدة الفئة هي أنهم حين يلهجون باستمداد العون من الله، يرومون في الحقيقة إقناع الناس بأنهم تلقّوا تكليفاً عُلْويّاً وصكّ نيابة، بلغة المعلوماتية، كأنما أنزلت السماء على أدمغتهم برمجية نظام تشغيل متصل بذلك الذي يتحكم في مجرى الكون. فجأة ترى نفسك قزماً أمام سوبربشر. في تراث الديانات الوضعيّة، أمثلة كثيرة عن الأبواب العالية المتألّهة.
قال: على غرار المعري: «خفّفِ الوهم ما أظن قديم الرأي إلا من واهمٍ في اجتهادِ». نصوص أعظم الأدباء محاكمة للعقل العربيّ، الذي لم يستطع التحرر من الجاهلية حين اعتنق الإسلام، إلاّ في حقب محدودة. إلى أن جاء أعداء العرب والمسلمين، فوظفوا تلك الازدواجية ليجعلوا عملة التطرف والعنف، تطرد عملة التسامح والتآخي. تأمل الفاجعة، لقد اتهموا أديبنا بالزندقة والكفر، بينما هو أحد أندر رموز حريات الرأي والفكر والتعبير في تاريخنا. لم يَرْقَ أديب عربيّ إلى علياء رائعته: «الفصول والغايات، في تمجيد الله والمواعظ» أليس مكفّروه هم بذور «الداعشيين»، ظلت في كمون قروناً حتى اكتشفها برنارد لويس، فسقاها ماء المخططات الجهنمية، فهبّ مارد فيروسها فشوّه الإسلام وفتك بأهله؟
قلت: إن الدين في محنة. لأن الجمع بين الزمنيّ والروحيّ مأزق اليوم. إذا أخطأت السلطة الدينيّة فكيف تسائلها؟ كيف تؤسس لها برلماناً يسألها وهي تدّعي أن الأوامر تأتيها من المولى؟ كيف تطالبها بفكر حرّ وتنمية شاملة، وشفافية إدارية واقتصادية واستقلال قضائيّ؟ سيقفونك في القفص بتهمة معارضة حكم الله. إذا ناصرك أحد في الداخل فهذا دليل على أنك أثرت فتنة في ديار الإسلام، والفتنة معروفة المآل، وإن وجدت ظهيراً من الخارج، فالنكبة أنكى لأن الكفار ناصروك. لا تخف، سيبقى لك الخيار بين الرصاصة والمشنقة. المأساة هي أن تتحرك الآلة الإعلامية العالمية: هكذا هو الإسلام، «يا عالم ياهو»، هبّوا إلى تشكيل تحالف فهذه «الشعوب الإرهابية» لا تستحق إلاّ إعادة الاستعمار لكي «نحررها» من «ميراثها اللاإنساني».
لزوم ما يلزم: النتيجة التقويمية: إذا أردت أن تعرف مستوى أمّة، فانظر إلى مكانة الفكر والرأي فيها.
abuzzabaed@gmail.com