مقالات عامة

ترامب والقدس.. بين السياسة والقانون الدولي

كمال الجزولي

للتعاطي مع قرار الرئيس الأمريكي بالاعتراف بالقدس عاصمة ل«إسرائيل»، ونقل سفارته إليها، هناك طريقان، شعبي ورسمي. شعبياً، لم يعُد ثمَّة مناص من اعتبار القرار «إعلان حرب»، مما يقتضي الشعب الفلسطيني إنهاء انقساماته، وتوحيد صفوفه، حيث الخيار الوحيد المتبقي له هو «المقاومة»، بكل السبل، على طريق الانتفاضة الثالثة، وتجاوز أجندة أوسلو التي أضحت معطوبة، بل مستحيلة الحركة.
أما رسمياً فالحاجة قائمة لإعلام قوي حول ذهاب مجموعة العمل العربي الوزارية، المنبثقة عن الجامعة العربية، من خلال اجتماعها التنسيقي المنعقد بالعاصمة الأردنية في الأسبوع الأوَّل من يناير الجاري، باتجاه السعي لاستصدار قرار سياسي دولي مضمونه الاعتراف بالدَّولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو عام 1967م، وعاصمتها القدس.
الاتِّجاه الرَّئيس لهذين الطريقين اتِّجاه «سياسي عملي» يتوقع أن يجد قبولاً واسعاً، كونه، على الأقل، لا يرتهن للمساومات الدبلوماسية التي «تتوهم» إمكانية تراجع ترامب عن قراره، رغم أنه قطع قول كل خطيب، بتأكيده الاستفزازي على تشبثه بهذا القرار، لدى لقائه نتنياهو، الخميس 25 يناير الجاري، على هامش مؤتمر دافوس. لكن هذا الاتجاه ليس كافياً وحده، فثمة أهمية استثنائية لمسعى آخر لتأكيد «بطلان» القرار، أصلاً، وافتقاره إلى «الشرعية»، وبالتالي «انعدام» أي «أثر» له من زاوية «القانون الدولي العام»، على خلفية القرارات التي تواتر صدورها بشأن القضية الفلسطينية، ووضعية القدس كأرض محتلة. .
لقد استخدمت واشنطن حق الفيتو، فعرقلت اعتماد مجلس الأمن لمشروع قرار يبطل قرارها، رغم تصويت أربعة عشر عضواً مع الإبطال، مقابل الصوت الأمريكي وحده، فأحيل الأمر إلى الجمعية العامة. هنا قد تبدو المشكلة، للوهلة الأولى، في طبيعة الاختصاصات بموجب الميثاق الذي جعل لمجلس الأمن سلطة التقرير بشأن السلم والأمن الدوليين، خصوصاً تحت الفصل السابع، وإلى ذلك ميز الدول الخمس دائمة العضوية بحق النقض «الفيتو»، استناداً إلى ميزان القوة في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، والذي قضى بأن يكون مجلس الأمن أقل ديمقراطية من الجمعية العامة، رغم سلطاته الأكبر مقارنة بها. على أن القانون الدولي ما لبث أن صحح نفسه، نوعاً ما، وفق الميزان نفسه الذي يتسم بالديناميكية وعدم الثبات، عندما شنت كوريا الشمالية الحرب على كوريا الجنوبية عام 1950م. فقد استخدم الاتحاد السوفييتي حق «الفيتو» ضد مشروع قرار أمريكي بإرسال قوات دولية لمساندة كوريا الجنوبية. فلجأت الولايات المتحدة إلى الجمعية العامة، مستغلة وجود أغلبية لها فيها، لمنع استخدام «الفيتو» لعرقلة دور المجلس في منع تهديد السلم والأمن الدوليين. وبالفعل دعت الدول الغربية الجمعية العامة إلى عقد دورة استثنائية خاصة تحت عنوان «الاتحاد من اجل السلم»، حيث تم اتخاذ القرار المطلوب في هذا المعنى بالرقم 377 لسنة 1950م، بأغلبية الثلثين (52 مقابل 5). ونص القرار على أنه في حالة قيام دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن بعرقلة اتخاذ قرار لصون السلم والأمن الدوليين، فإنه يحق للجمعية العامة عقد دورة خاصة تتجاوز فيها تلك العرقلة باتخاذ قرار بأغلبية الثلثين تكون له قوة قرارات مجلس الأمن وصلاحياته تحت الفصل السابع.
بالقدر نفسه، وبموجب القرار نفسه تحت بند «الاتحاد من أجل السلم»، انعقدت دورة استثنائية للجمعية العامة سنة 1956م، عندما قامت بريطانيا وفرنسا باستخدام حق «الفيتو»، أثناء حرب السويس، للحيلولة دون اتخاذ مجلس الأمن قراراً بإرسال قوات دولية للفصل بين القوات المصرية و«الإسرائيلية» فأصدرت الجمعية العامة القرار المطلوب بأغلبية الثلثين.
هكذا وقعت صحيحة تماماً الدعوة لعقد دورة استثنائية، خلال 24 ساعة، للجمعية العامة للأمم المتحدة، بموجب القرار 377 لسنة 1950م، تحت بند «الاتحاد من أجل السلم»، عندما أقدمت الولايات المتحدة على عرقلة صدور قرار يبطل قرارها حول القدس؛ كما وقع صحيحاً عقد الاجتماع، فعلياً، في 21 ديسمبر/‏ كانون الأول 2017م، حيث انتهى إلى إصدار قرار بأغلبية الثلثين (بموافقة 128، واعتراض 9، وامتناع 35 عن التصويت، وتغيّب 21 عن الحضور)، وهو القرار الصادر بصلاحيات قرارات مجلس الأمن تحت الفصل السابع، والقاضي بعدم قانونية القرار الأمريكي بشأن القدس، وعدم إنتاجه أي أثر قانوني، لمخالفته لأحكام القانون الدولي، وقرارات الأمم المتّحدة المتواتر صدورها عن مجلس الأمن، وعن الجمعية العامة، بشأن القدس، والاحتلال «الإسرائيلي» للأراضي الفلسطينية.

kgizouli@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى