حرّاس بوتين
تأليف: فيل بتلر
عرض وترجمة: نضال إبراهيم
يشهد العالم فترة من الأزمات والصراعات التي تزيد من معاناة البشرية، والسبب بالنسبة للبعض هو وجود سياسات خاطئة لدى المعسكر الغربي، والأمريكي تحديداً. يظهر الكتاب الذي بين يدينا بأن من يعرفون بـ«متصيدي الكرملين» عارضوا في فترة من الفترات السياسة الروسية، ثم في فترة لاحقة وجدوا أنفسهم في صراع ضد أقوى إمبراطورية (الأنغلوصهيونية) في تاريخ العالم. ويحاول عبر هذه الشخصيات المتنوعة في خلفياتها تسليط الضوء على ما يحدث من صراع حقيقي وخفي في عصرنا، وكيف أصبح عدد قليل من الأفراد المعزولين كابوساً لصناعة الدعاية التي تكلف مليارات الدولارات والمكرسة لإضفاء الشرعية على السياسات الشريرة في العالم.
يحتوي الكتاب على قصص لبعض الأشخاص الذين يكشفون أولئك الساعين إلى شيطنة روسيا بشكل عام، وبوتين على وجه الخصوص. إن «اعترافات» أولئك الذين وصفوا بأنهم «متصيّدو الكرملين» تكشف عن سيكولوجية وراء واحدة من أكثر اللحظات الهجومية الاجتماعية المؤثرة في التاريخ الحديث. إذ تكشف القصص العاطفية في الكتاب حقيقة غير معلنة إلى حد كبير عن فلاديمير بوتين، والأسباب الحقيقية التي تجعل الكثيرين يشعرون بالإعجاب من دعم الشعب الروسي لهذا الزعيم.
نجد من قراءة مساهمات المشاركين كيف أنهم ينسفون أسس قضية «روسياغيت» التي تشير إلى قضية التدخل الروسي في انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2016. وبهدف الحفاظ على الأصول المهنية والمصداقية، نشر الكاتب «الاعترافات» الواردة في هذا العمل دون تحرير، كما وردت من المساهمين.
وعلى العموم، الآراء في هذا الكتاب مختلفة، بعض الشخصيات كانت تناهض بشكل فكري الشيوعية والنظام السوفييتي، ولا تزال غير متفقة مع بعض السياسات الروسية بشكلها الحالي، لكنها تواجه بأسلحتها الفكرية السياسات الغربية الخاطئة في العالم.
من هذه الشخصيات ويليام إنغدهل، وهو كاتب وباحث. تشارلز بوسمان، كاتب. وجيم دبليو دين، العضو المنتدب للمحاربين القدامى المؤيدين للكرملين اليوم. مارغريتا سيمونيان، رئيسة تحرير «آر تي وسبوتنيك»؛ مارسيل ساردو، مؤلف. وباتريك ارمسترونغ، محلل سياسي، والكاتب غراهام فيليبس، وغيرهم آخرون.
الكتاب صادر في أكتوبر 2017 باللغة الإنجليزية في 288 صفحة من القطع المتوسط عن دار «باميل فيشن». ويقدّم له الكاتب بيب إيسكوبار، ثم يقسم إلى 12 قسماً، ويتضمن كل قسم بضع فصول.
القرن الأمريكي
من بين الاعترافات في الكتاب نتوقف عند المحلل باتريك ارمسترونغ الذي يقول: «بدأت العمـل فـي وزارة الدفاع الوطني الكندية في عام 1977 في مؤسسة البحوث والتحليل التشغيلي. شاركت في العديد من الأعمال التدريبية والبحثية. كانت السيناريوهات هي نفسها دائماً: لدينا لواء في ألمانيا الغربية للدفاع عن أي هجوم من جانب حلف وارسو / السوفييت. في تلك الأيام كان الناتو منظمة دفاعية، وكما اكتشفنا لاحقاً، كان ذلك هو الجانب الآخر: كل واحد كان ينتظر الآخر للهجوم. وربما هو السبب في أننا جميعاً هنا اليوم».
ويضيف: «إذن ما هي الغاية من الكتابة؟ أنا لن أقنع أبداً من الحاقدين على روسيا، وهناك فرصة ضئيلة للوصول من خلالها إلى السذج والجهلة. ومعظم الناس ليسوا مهتمين جداً على أي حال.. إذا نظرنا إلى مشروع القرن الأمريكي الجديد، لتعزيز القيادة العالمية الأمريكية، ماذا نرى بعد عشرين عاماً؟ وضع برجينسكي الاستراتيجية في رقعة شطرنج كبرى في نفس الوقت. ماذا عن اليوم؟ في العام الماضي كان عليه أن يعترف بأن عصر الهيمنة الأمريكية قد انتهى، وقال إنه واثق جداً من ذلك منذ عشرين عاماً. ليس هناك حاجة للتفكير في هذه النقطة: الولايات المتحدة من خلال معظم التدابير لا تزال القوة المهيمنة في العالم، لكن..
ويشير إلى أن القرن العشرين كان «القرن الأمريكي» مزدهراً بفضل قدرة التصنيع التي لا حدود لها المتحالفة مع الابتكار المرتكز على قاعدة سياسية مستقرة. لكن ماذا تبقى من هذه الثلاثة في عام 2017؟ هل يمكن جعل أمريكا «عظيمة» مرة أخرى؟ خاصة أن الحروب في كل مكان وفي كل مكان تشن بالأدوات والأساليب نفسها. ويركز على أن الولايات المتحدة لن تتخلى عن سياساتها العدائية في العالم بسهولة، ويتوقع أن يتم مواجهة هذه السياسات عبر جمهور الصحوة من داخل الولايات المتحدة الأمريكية، من بين أولئك الذين يعانون في الداخل الأمريكي من السياسات الخاطئة للإدارات الأمريكية في التدخل في الدول الأخرى، وشن حروب عبثية لا جدوى منها.
الصقر الروسي
من بين أبرز الاعترافات في الكتاب اعتراف لمحلل عسكري روسي كان يعمل مع الجيش الأمريكي في فلوريدا، الذي يكتب تحت اسم «ذا ساكر» أو «الصقر»، وله موقع إلكتروني شهير يعبّر فيه عن آرائه بشأن الموقف الغربي من روسيا، وقد جمع العديد من مدوناته في كتاب مؤخراً، وبدأت قصة مشاركته في الكتاب عندما تلقى بريداً إلكترونياً من المؤلف الأمريكي فيل بتلر، يسأله فيها عما إذا كنت مهتماً بالمساهمة في المشاركة بسيرة لكتابه «اعترافات كبار متصيّدي الكرملين»، في البداية رفض، لكن بعد إرسال نسخة من مشروع الكتاب له بعد عدّة أشهر، وجد «أنه يقدم عزماً لا يكسر على مقاومة الشر والكذب في جميع مظاهرهما»، ونركز عليه من بين المساهمين لأهميته.
ويقول في اعترافه ضمن الكتاب: «بالولادة، والخبرة، والتدريب، كان لدي حقاً كل ما يلزم لكره بوتين. ولدت في عائلة من «الروس البيض» الذين كانوا على معاداة مع الشيوعية بشكل كبير. لقد كانت طفولتي مملوءة بقصص (معظمها صحيحة) عن الفظائع والمذابح التي ارتكبها البلاشفة خلال الثورة والحرب الأهلية اللاحقة. وبما أن والدي تركني، كان الأب الروحي لي هو رئيس أساقفة الكنيسة الأرثوذكسية في المنفى، ومن خلاله، عرفت كل ما يتعلق بالاضطهاد والإبادة الجماعية التي ارتكبها البلاشفة بحق الكنيسة الأرثوذكسية.
في سن السادسة عشرة، كنت قد قرأت بالفعل المجلدات الثلاثة لـ «أرخبيل غولاغ» (عمل أدبي للروائي والكاتب الروسي ألكسندر سولجينيتسن حول القمع في الاتحاد السوفييتي في الفترة ما بين عامي 1918 و1956) ودرست بعناية تاريخ الحرب العالمية الثانية. بحلول الثامنة عشرة كنت مشاركاً في العديد من الأنشطة المناهضة للسوفييت مثل توزيع الدعاية المناهضة للشيوعية في علب البريد التي تخص الدبلوماسيين السوفييت أو تنظيم استيراد غير قانوني للكتب المحظورة في الاتحاد السوفييتي من خلال تاجر بحري سوفييتي وقوارب الصيد (ومعظمهم في محطتهم في جزر الكناري).
وكنت أعمل أيضاً مع مجموعة سرية من المسيحيين الأرثوذكس الذين يرسلون المساعدة، على شكل أموال، إلى أسر المنشقين المسجونين. ولأنني كنت طليقاً في اللغة الروسية، أخذتني مهنتي العسكرية من تدريب بسيط في الحرب الإلكترونية، إلى وحدة خاصة من اللغويين لأركان الجيش السويسري، لأصبح محللاً عسكرياً في خدمة الاستخبارات الاستراتيجية في سويسرا.
كانت السلطات السوفييتية قد صنفتني، وعائلتي بأكملها، منذ فترة طويلة كناشطين خطيرين ضد السوفييت، وبالتالي لم أستطع السفر إلى روسيا حتى سقوط الشيوعية في عام 1991، عندما ذهبت على الفور في أول رحلة متاحة ووصلت إلى موسكو، في حين أن الحواجز المبنية ضد محاولة الانقلاب السوفييتية الفاشلة كانت لا تزال قائمة. في الحقيقة، في هذا الشهر المشؤوم من أغسطس 1991، كنت ناشطاً مناهضاً للسوفييتية وللشيوعيـة. حتى التقطت صورة لنفسي بجانب التمثال المنهار لفيليكس ديرزينسكي (مؤســـس أول شرطــة سرية سوفييتية) مع الضغط بقدمي على حلقه الحديدي. في ذلك اليوم شعرت أن انتصاري كان كاملاً. إلا أنه لم يدم طويلاً».
من رعب إلى آخر
يكمل الصقر: «بدلاً من قدوم الحرية والسلام والازدهار إلى الشعب الروسي الذي عانى طويلاً، إلا إن نهاية الشيوعية في روسيا جلبت فقط الفوضى والفقر والعنف والاستغلال الكبير من قبل أسوأ فئة من الحشود التي أنتجها النظام السوفيياتي المتهاوي. لقد شعرت بالرعب. على عكس العديد من النشطاء الآخرين المناهضين للسوفييت، لم أخلط بين شعبي والنظام الذي قمعهم. لذلك، في الوقت الذي شعرت بالفرح لأجل رحيل رعب، كنــت أشعــر بالفــزع أيضــاً لرؤيــة رعــب آخــر قــد حــلّ مكانــه.
والأسوأ من ذلك أنه لا يمكن إنكار أن الغرب لعب دوراً نشطاً في جميع أشكال الأنشطة المناهضة للروس، من الحماية الكاملة للغوغاء الروس، ودعم المتمردين في الشيشان، وانتهاء بتمويل آلة الدعاية التي حاولت تحويل الشعب الروسي إلى مستهلكين من دون عقول إلى وجود «المستشارين» الغربيين في جميع الوزارات الرئيسية.
الأوليغارشيون كانوا ينهبون روسيا وتسببوا في معاناة لا حدود لها، والغرب بأسره، ما يسمى بـ«العالم الحر» ليس فقط أنه لم يفعل شيئاً للمساعدة، بل ساعد جميع أعداء روسيا بكل إمكاناته المتاحة.
وسرعان ما هاجمت قوات حلف شمال الأطلسي صربيا، الحليفة التاريخية لروسيا، في انتهاك مطلق لأبسط مبادئ القانون الدولي. لم يتم إعادة توحيد ألمانيا الشرقية فحسب، بل أدمجت على الفور في ألمانيا الغربية، ودفع الناتو بقواته إلى أقصى حد ممكن في الشرق. لم أستطع أن أدعي أن كل هذا يمكن أن يفسره بعض الخوف من الجيش السوفييتي أو عن طريق رد فعل على النظرية الشيوعية للثورة العالمية. في الحقيقة، اتضح لي أن النخب الغربية لم تكره النظام السوفييتي أو أيديولوجيته، بل أنهم يكرهون الشعب الروسي نفسه والثقافة والحضارة التي أنتجوها.
وفي الوقت الذي اندلعت فيه الحرب ضد الأمة الصربية في كرواتيا، والبوسنة وكوسوفو، كنت في وضع فريد: فكل يوم أستطيع قراءة تقارير عسكرية لقوة الأمم المتحدة للحماية عما يجري في تلك المنطقة، وبعد العمل، استطعت أن أقرأ الدعاية المضادة. لقد شعرت بالفزع لأنني أرى أن كل ما تقوله وسائل الإعلام كذبة كاملة. ثم جاءت أعلام أخرى، أولاً في سراييفو، وفي وقت لاحق أيضاً في كوسوفو. كانت أوهامي حول «العالم الحر» و«الغرب» تنهار وبسرعة.
العالم الحر وبوتين
ثم يتحدث الصقر عن الفترات التي عاشتها روسيا، وصولاً إلى مرحلة يلتسن ثم بوتين ويقول حينها: «حدث أمران حاسمان بالتوازي: كل من «العالم الحر» و«بوتين» أظهرا وجهيهما الحقيقيــين: «العــالم الحـــر» كإمبراطوريـــة «أنغلوصهيونية» مصممة على شن جحيم من العدوان والاضطهاد، وفلاديمير بوتين كوطنــي حقيقي لروسيا. في الواقع، بدأ بوتين مع الأيام يبدو وكأنه بطل بالنسبة لي: بشكل تدريجي، بدأ بوتين يحوّل روسيا نحوه، وخاصة في مسألتين حاسمتين: كان يحاول «إعادة سيادة» البلاد، وقد تجرأ على ما لا يمكن تصوره: فقد قال علناً أن الإمبراطورية لم تكن مخطئة فحسب، بل غير شرعية أيضاً.
لقد ألهمني بوتين بأن أختار خياراً مثيراً: هل سأتمسك بأحكامي المسبقة مدى الحياة أم سأسمح للواقع أن يثبت أن تحيزاتي التي عشتها مدى الحياة خاطئة. كان الخيار الأول أكثر راحة بالنسبة لي، وجميع أصدقائي سيوافقون عليه. والثاني كان أكثر صعوبة، وسوف يفقدني صداقة كثير من الناس. ولكن ما هو الخيار الأفضل لروسيا؟ هل يمكن أن يكون ذلك هو الشيء الصحيح لـ «الروسية البيضاء» للانضمام إلى القوات مع ضابط سابق في«كي بي جي»؟ وجدت الجواب في صورة أليكساندر سولجينيتسين وفلاديمير بوتين.
إذا كان هذا الجيل القديم المتشدد المناهض للشيوعية الذي، على عكسي، قد أمضى وقتاً في غولاغ، يمكن أن يأخذ بيد بوتين، إذاً كان بإمكاني أيضاً!.
في الواقع، كانت الإجابة واضحة طوال الوقت: بينما كانت المبادئ والإيديولوجيات «البيضاء» و«الحمراء» متناقضة وبعيدة عن بعضها البعض، فإنه لا يوجد شك بأنه يمكن العثور على الوطنيين الحقيقيين في هذه الأيام من روسيا ضمن كل من المعسكرين السابقين «الأحمر» و«الأبيض». وبعبارة أخرى، لا أعتقد أن «الحمر» و«البيض» سيتفقان على الماضي، ولكننا نستطيع، ويجب علينا، أن نتفق على المستقبل. إلى جانب ذلك، الإمبراطورية لا تهتم ما إذا كنا نتبع المعسكر «الأبيض» أو «الأحمر»، لأنها تريدنا جميعاً إما مستعبدين أو أمواتاً.
ويختم الصقر كلامه، «بوتين، في هذه الأثناء، لا يزال زعيم العالم الوحيد الذي يتحلى بما يكفي من الشجاعة ليتحدّث علناً عن مدى قباحة الإمبراطورية، ولا مسؤوليتها. وعندما أستمع إليه أرى أنه ليس من المعسكر «الأبيض» ولا «الأحمر». إنه ببساطة روسي. لذلك، بهذه الطريقة أصبحت من المعجبين الكبار به».
نبذة عن الكاتب
فيل بتلر محلل رقمي وإعلامي، وجيوسياسي. كان من أوائل المؤثرين في مجال تكنولوجيا شبكة الإنترنت. بعد انضمامه إلى شركة العلاقات العامة الرقمية البارزة في ألمانيا «باميل فيشن»، أصبح صوتاً مؤثراً في العلاقات الإعلامية عبر الإنترنت. وبصفته محللاً رقمياً ومستقبلياً، قام بتلر بدراسة استراتيجيات جديدة، وقدم استشارات للشركات الكبرى على شبكة الإنترنت للاستفادة من وسائل الإعلام التقليدية والاجتماعية عبر الإنترنت. وقد مكن عمله الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا من تحقيق النجاح في سوق تنافسية للغاية، وتوفير خدمات تسويقية رائدة تشجعهم على فهم المشهد الإعلامي الرقمي بشكل أفضل. ونتيجة لعمله، ساعد بتلر في تطوير بعض استراتيجيات العلاقات العامة والتسويق الرقمي الأكثر نجاحاً في هذا الحقل. وفي بداية «الحرب الإعلامية» الجديدة بين الجهات الفاعلة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا، عمل بتلر كمحلل لمساعدة وسائل الإعلام المستقلة للحصول على فهم أفضل للأدوات المصنفة ضد روسيا وجميع المعارضين للخطاب العولمي. يظهر بتلر على وسائل الإعلام كمحلل ومتحدّث.
هو يعيش الآن في جزيرة كريت في اليونان مع زوجته مايلا، وابنها الصغير بول جول.