مقالات عامة

دردشة فيزياء صوفيّة

عبد اللطيف الزبيدي

هل يوجد ميدانان متباينان تماماً ومنصهران كلاهما في الآخر، مثل التصوف والفيزياء؟ فيزيائيّ قال: «إن مستقبل الفيزياء هو الماورائيات. عالِم الفيزياء ينتهي به «سلوك الطريق» إلى التصوف، والمتصوفون العرفاء (جلال الدين الرومي، محيي الدين بن عربي، الحلاج، فريد الدين العطار…) هم باحثون في الفيزياء وما وراءها، من دون معادلات. كيف يُعقل ألاّ يكون أينشتين قد قرأ «مثنوي» الرومي، الذي ترجمه إلى الإنجليزية، ونشره رينولد نيكولسون في ثمانية مجلدات سنة 1925؟ في «المثنوي» أبيات صريحة عن «الشمس الكامنة في الذرة» (الطاقة النووية)، الجاذبية، النسبية (الأعلى والأسفل، والحلال والحرام والحموضة والحلاوة في الحصرم، العنب، الخمر والخل). صوفية علمية في القرن السابع الهجري.
إيليا أبو ماضي كانت تنقصه مبادئ الفيزياء، قال: «جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت»، لو توافرت له، لقال على غرار عليّ بن الجهم: «من حيث أدري ولا أدري». مجلة «العلم والحياة» الفرنسية(7 فبراير)، عنونت: «كم سنّ ذرّاتنا»؟ الجواب عند الصوفيّ أوّلا: «أتحسب أنك جِرم صغير..وفيك انطوى العالم الأكبرُ؟» قبل أن تكون لنا أعضاء على عظام تكسوها عضلات من أنسجة هي جزيئات مكونة من مليارات مليارات الذرات، فإن ذراتنا الأساسية تعود إلى الدقائق الأولى من الانفجار الكونيّ العظيم، تلك كانت اللبنات التي منها كل مادة الكون بما فيها العضوية. الهيدروجين، الأوكسجين، الكربون والآزوت، هي الأساس الذي يقوم عليه بنيان الكائن الحيّ. ثمة ذرات أخرى مهمة، مثل الأملاح المعدنية (الصوديوم، الكالسيوم…)، والمعادن (الحديد، النحاس…). هذه الذرات هي أصل الكون كله قبل 13.7 مليار سنة.
في البدء كان الكون حساء من البروتونات والنيوترونات والإلكترونات. منذ الدقائق الأولى «انخفضت» الحرارة من عشرة مليارات درجة مئوية إلى مليار فقط. «صار شمّ النسيم ممكنا! تشكلت النوى من البروتونات والنيوترونات بعد ثلاثمئة ألف سنة، خفت حدة الحرارة فانضمت الإلكترونات إلى النوى لتشكيل الذرات الأولى للهيدروجين والهليوم، وهي الأخف والأكثر انتشارا. العناصر الضرورية الأخرى ظهرت بعد مئتي مليون سنة، مع تشكل المجرّات، شأن الكربون، الأوكسجين والحديد، التي أُعدّت في أفران النجوم، في انصهار الهيدروجين وإنتاج نوى أثقل فأثقل عبر التفاعل النووي. تلك العناصر النفيسة تتناثر في الفضاءات حين تنفجر سلالات من النجوم على هيئة مستعر أعظم (سوبرنوفا). تجمّعها أدّى إلى تكوين المنظومة الشمسية، والحياة على الأرض في نهاية الرحلة. تلك الذرات تجمّعت في المحيطات البدائية، وشكلت الجزيئات العضوية الأولى، ثم خلية أولى قبل 3.5 مليار سنة، وأتت البقية تباعا. هل عرف أبو ماضي الآن الماضي الذي أتى منه؟
لزوم ما يلزم: النتيجة الصوفيزيائية: نحن لسنا آدميين فقط، فنحن إخوة الأنهار والبحار والأشجار والرمال والجبال.

abuzzabaed@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى