الإمارات واحة الثقافة

فوّاز الشعّار
كوكبة من مثقفي الإمارات، ومسؤولي الشأن المعرفي، وكبار الشخصيات السياسية والدبلوماسية والعلمية والاقتصادية، ورموز الفكر، استظلوا بفيء صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، في «خلوة»، هي الأولى من نوعها في الدولة، لمناقشة واقع العمل الثقافي في الإمارات، ورسم ملامح مستقبل المشهد الثقافي الوطني، بما يتوافق مع رؤية القيادة الرشيدة لآفاق التنمية الفكرية والمجتمعية الشاملة، وبما يتماشى مع الطموحات العريضة لمستقبل مسيرة التطوير ضمن مختلف القطاعات.
ماذا يعني اجتماع هؤلاء، في هذا الوقت تحديداً؟ هل هو مجرّد اجتماع رتيب، تجريه أي حكومة، أو يعقده مسؤولون في بلدٍ ما، وينتهي بمجموعة من «التوصيات» و«الأفكار» التي تسجل في جدول أعمال، وتتناقلها وسائل الإعلام، ثم تضمّها الأدراج، ويطوي الزمن صفحاتها، ويعلو غبار النسيان حبرها، فتبهت ويخبو ألقها، وتذهب قبض الريح؟
لم يجمع صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد، هؤلاء النخبة، إلّا للقلق الذي يشغل سموّه، تجاه شؤون الوطن كبيرها وصغيرها، والهمّ الحياتي للناس، على اختلاف مشاربهم، و«ثقافاتهم»، فكانت الثقافة، وما ينضوي تحتها من أمور لا تعدّ ولا تُحصى، أحد هذه «الهموم»، وعلى رأس «القلق».
الثقافة تعني الحِذق والمهارة والفطنة والتشذيب والتهذيب، فكيف يمكن تحقيقهنّ جميعاً، في كائن؟ إنه أمر في غاية الصعوبة. كيف إذن يمكن تحقيقها في مجتمع بأكمله؟ إنه أقرب إلى الاستحالة.
ولكن هل تعرف دولة كالإمارات معنى هذه الكلمة؟ هل في قواميسها مايسمّى المستحيل؟ كلّا. أثبتت الإمارات بقيادتها، منذ أسّسها المغفور له، بإذن الله، الشيخ زايد، مع إخوانه الحكام قبل نيّف وأربعين عاماً، أن الإصرار والعزيمة، والرؤية الثاقبة، تحقق هذا المستحيل، فمن «ثقف» الصحراء، وجعلها واحة غنّاء، لا يجد صعوبة في تحويل صحارى النفوس والعقول، إلى واحات فكر، ومراتع نور ومعرفة، وشلالات فن وإبداع.
ما يواجهه العالم كلّه، وبخاصة عالمنا العربي، من استشراء الفكر المتطرف، واستشراسه، لا سيّما بين شبابنا اليافعين، وطفح عقولهم بعفن التشدّد والسلوك الهمجي المستعد لارتكاب أي حماقة أو جريمة، لتنفيذ ما يطلبه منه مشغّلوهم، يستدعي هذه «الخلوة»، وغيرها، فحماية الأبناء ودرء الخطر عنهم، مسألة وطنية لا تحتمل أي تأجيل.
وجّه محمد بن راشد في «الخلوة» بتأسيس صندوق التنمية الثقافية. وهذا يعني أن لا شيء يقف أمام تنمية الفكر، والمال موجود لتحويل الأفكار إلى وقائع، وضمن منهج علمي يعتمد خطة عمل للتفرغ الإبداعي خاصة بالمواهب الوطنية.
الإمارات موئل الباحثين عن فرص عمل وتجارة واستثمار وإعمار.. نعم. الإمارات غداً حاضنة الثقافة العربية، ومشعل الفن والأدب والموسيقى.. نعم أيضاً.
fawazalshaar27158@gmail.com