خواطر سينائية

عبد اللطيف الزبيدي
هل انتظرنا طويلاً أن تبادر مصر إلى استئصال حقيقة ما تخبّئه مخططات صناعة الإرهاب؟ ثمّة وجه شبه ساخر لاذع لادغ بين عمليّة السلام وبين مكافحة الإرهاب. عمليّة السلام شغلت العرب بالعمليّة لا بالسلام، فوقعوا في فخّ المفاوضات وخريطة الطريق وحركات عصا المايسترو «الشريك النزيه»، ومكافحة الإرهاب صرفت الناس عن حقيقة الفيروس الخبيث، هويّته، تصنيعه، تقويته، تسليحه، نشره، استفحاله، تحويل فصائل منه إلى خلايا طبيعية دعمها واجب وتغذيتها فرض «إنسانيّ ديمقراطيّ»، فهوت البلدان أنظمة وشعوباً، في وحول مكافحة الإرهاب.على العاقل أن يبحث عن المستفيد.
حسن الظنّ بجيشٍ عقيدته هي مصر وأمنها القوميّ، الذي هو «شخصية مصر»، والذي لا ينفصل عن الأمن العربيّ العامّ، جعلنا نتمنّى لو كانت الأوامر أبكر. جرّ ليبيا إلى هاوية الدولة الفاشلة، كانت غايته الصغيرة الاستيلاء على الثروة النفطية، أمّا المنشود الأكبر فقد كان فتح أبواب الشرّ على مصر، لكي تمسي المحروسة بلا حارس.ذلك الجيش أنبل من أن تجرّه المخططات الجهنميّة إلى مهاوي الرّدى.
كل الأحداث الداخلية في أرض الكنانة تبشّر بانطلاقة جادّة على طريق التنمية الشاملة. الإرهاب هو أخطر أعداء التنمية القائمة على الارتقاء بالقوى الذاتيّة وتسخيرها للنهضة. الحرب المفتوحة تدمّر بالجملة، الإرهاب يعمد إلى التفتيت.الحرب المعلنة مصدرها طرف معلوم، أمّا الإرهاب ففيروس فتّاك ينهش من ألف موضع من داخل الأعضاء فلا تُرى إلاّ آثاره التدميريّة. إنها نتاج «عبقريّة» الحروب الحديثة، تنهك الجيوش وتحطّم الآمال، وتُلبس التدخّل في الشؤون الداخليّة لباس مساعدة الشعوب.
ما حدث للعالم العربيّ من تمزيق ممنهج، لا يزيدنا إلاّ يقيناً من أن مصر هي المستهدفة الكبرى، لأنه لا يستقيم في العقل والمنطق والاستراتيجيّة، أن تُرمى الأعضاء بالسهام، ولا يكون القلب هو المرمى المقصود.لا يصحّ في الأفهام السليمة ألاّ تكون مصر هي محور الأمن القوميّ العربيّ.كيف تكون القراءة والاستقراء والإدراك إذاً؟ هنا يجب استتباع خطة القضاء على بؤر الإرهاب المشبوهة في سيناء، وضمان أمن الحدود الليبية، بمشروع سياسيّ بعيد المدى والأهمّية، وهو جمع شتات الجامعة العربية، الذي لا تقدر عليه إلاّ مصر بثقلها ومكانتها.إنه مشروع الأمن التنمويّ. ضحك من ذقن السياسة، بوصفها فن الممكن، أن تعجز عقول العرب عن رأب تصدّعات المنظمة الأمّ لكلّ العرب. أيّ تحرّك مصريّ إيجابيّ هو لكل العرب.
لزوم ما يلزم: النتيجة التعجيزيّة: إن كان لعبقرية استراتيجيّة جيوسياسيّة أن تكتشف للعرب محور أمنٍ قوميّ غير مصر، فلتفدنا، أفادها الله.
abuzzabaed@gmail.com