أخطار المذاق اللغوي

عبد اللطيف الزبيدي
هل للموروث الثقافي آثار صحية سلبية؟ عليك أن تبحث عن خفايا علم الأمراض في الكلمات المحببة إلى القلوب، وانعكاسات الذوق الجمالي على الذوق الغذائي في العادات والتقاليد. الظاهر دعابة، لكن في باطنها الجد.
لغوياً، لماذا اشتقت العربية الملاحة من الملح؟ وكيف صارت الطرائف مُلحاً في الكلام، بمثابة الملح في الطعام، تجعله سائغاً، ومن دونها تغدو أطباق الحديث لا تُقبل عليها النفوس؟ الأسباب جلية، فالناس في العصور الغابرة، لم تكن لديهم فكرة عن الصلة بين الملح وارتفاع ضغط الدم، ولا كان علم التغذية والأغذية متقدماً لكي يعلم الناس أن في الثمار والفواكه والبقول واللحوم وحتى الماء، ما يكفي الجسم من الأملاح، فلا يحتاج إلى ملح طعام يضاف.
ارتفاع ضغط الدم منتشر في الآدميين إلى حد مخيف، فعدد ضحاياه الذين يرحلون كل عام يبلغ 1.6 مليون إنسان، للأسف حصاد حرب طاحنة. مع هذا لا يلوح يقيناً أن الأغلبية تعرف ما هو هذا الداء بالضبط. الشرح بكل بساطة: ارتفاع نسبة الملح التي تدخل الجسم، يؤدي تلقائياً إلى احتفاظه بكمية أكبر من الماء، ما يجعل منسوب المادة السائلة في الدورة الدموية يرتفع في الشرايين، مسبباً مشكلات في ضغط الأوردة، تُعرف بأمراض القلب والشرايين، الملح من أخطر عللها.
حياتنا العصرية اليوم أضافت المزيد من لعنات الملح. الوجبات السريعة في المقدمة. صناعتها وتجارتها تقتضيان ذلك. الأبيض الشرير «يحسن» الطعم ويصبح طُعماً، وهو ضرورة تجارية قصوى؛ لأنه مادة حافظة تطيل عمر المأكولات، إضافة إلى الزركشات المذاقية من توابل وخلطات سرية وملونات. المستهلك غر كريم، لا يسأل نفسه: لماذا هذه الصلة العضوية الدائمة بين الوجبات السريعة وبين الأكواب العملاقة من المشروبات الغازية؟ حاجة البدن الماسة إلى السوائل جراء نسبة الملح العالية، توقع الزبون في مأزق آخر، فيعب نصف لتر به مقدار مهول من السكر، فيجتمع عليه شران كلاهما أشرس من الآخر، فلا يصح القول: «وبعض الشر أهون من بعض».
لا داعي إلى الإحباط، لكن الحقيقة العلمية ليست سارة، فهذه الوجبات السريعة، «الغنية» جداً بالدهون والملح والسكر، تلعب دوراً تخديرياً في الدماغ، وتؤدي إلى نوع من إدمانها، وهذه معضلة تضاف إلى خطر البدانة الحتمية تقريباً. يبقى أن الانعتاق ليس عسيراً على ذوي الإرادة، الذين يريدون التحرر من التبعية والاستلاب. في السياسة فقط يبدو التحرر صعب المنال.
لزوم ما يلزم: النتيجة المنهجية: يجب تغيير المذاق اللغوي للملاحة، لتصحيح المفاهيم الصحية.
abuzzabaed@gmail.com