مقالات عامة

أوهام الحرب النفسية

خيري منصور

تصل أحياناً نسبة الحرب النفسية من مجمل الحرب الشاملة إلى أكثر من النصف، لكن حين تكون حرباً نفسية بالمعنى الدقيق وليس بالمعنى المجازي الاستهلاكي الذي يسعى إلى التهوين أو التهويل لاسترضاء الذات وخداعها، فالحرب النفسية لها أدبياتها ومنابعها العلمية في التراث السايكولوجي وليست مجرد سجالات إعلامية غالباً ما تنتهي إلى فقدان المصداقية لفرط تكرار الكذب.
ويروي أحد الخبراء في هذا المجال أنه حين شارك في ندوة تثقيف حول الحرب النفسية في لندن، عرض أمامه فيلمان عن حرب السويس عام 1956 أحدهما مصري من وجهة نظر الدولة المصرية والآخر إنجليزي بمثل رأي حكومة بريطانيا، وحين طلب منه أن يفاضل بين الفيلمين قال إن الفيلم المصري كان أشد تأثيراً لأن محوره هو مقاومة العدوان، ومهما بلغت مهارة المعتدي وقدرته على تحريف الحقائق لا يستطيع إقناع المشاهد، لهذا فكل حرب نفسية يجب أن ترتكز إلى مقومات وحقائق كي لا تنزلق الحرب إلى مبارزة دون كيشوتية. وهناك دول حققت انتصارات ميدانية على أعدائها في الحروب، لكنها بفضل الخبراء المتخصصين في علم النفس لم تبالغ في انتصاراتها، واحتفظت لنفسها بنسبة من الاعتراف بالخسائر كي تحقق توازناً أخلاقياً وسياسياً أمام الرأي العام.
وحين قرر بن غوريون كما يقول في يومياته إطلاق اسم «جيش الدفاع» على المؤسسة العسكرية كان يهدف إلى تبرئة تلك المؤسسة من صفة الاعتداء، لأنها حتى في عملياتها العدوانية تمارس دفاعاً قد يكون استباقياً، لكن من يسارعون إلى جعل الحبة قبة كما يقال، وينظرون إلى تفاصيل واقعهم من خلال مجهر يكبر المرئيات عدة أضعاف، فهم يحملون أنفسهم ما لا طاقة لها باحتماله، لأن ثنائية النصر والهزيمة لا يقررها الإعلام حتى لو كان عبقرياً في أدائه، إذ سرعان ما تتكشف الحقائق بعد أن ينجلي الغبار والدخان وتضع الحرب أوزارها، فالخسائر لا تتحول إلى غنائم لمجرد الحلم والرغبة، والعكس صحيح أيضاً، لهذا فالحرب النفسية ليست كما يتصور البعض مجرد قلب للحقائق أو ادعاء تفوق في نطاق الكلام فقط، ولهذه الحرب الآن خبراؤها والساهرون على رصد تطورها، لأنها عِلم وليست فِقهاً تقود بوصلته الأماني.

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى