مقالات عامة

حوارية السلوكيات التطهيرية

عبد اللطيف الزبيدي

قلت للقلم:اليوم الجمعة، وأنت كلّ جمعة تقلّد الذين يطرحون أفكاراً وكأنّ الناس جماجمهم فجاج تعزف فيها الرياح. دعني أطرح مبحثاً للنقاش على كل باحث، على الفكر باعث. قال: كلّي أذن.
قلت: يشغلني انعدام البحث العمليّ في فقه قدمائنا، وقد استمرأت الأجيال هذا السلوك، فتشعّبت الدروب، وتشابكت المسالك بتفسير التفسير، والخلافات في المتون والحواشي والهوامش. لم يدرك القوم المفارقات العجيبة في هذه الطرائق. لقد اتفقوا على أن في القرآن أوامر إلهيّة، ونواهي ربانيّة، وهم صادقون ومن يرى غير ذلك يُعدّ في الجحدة الكفرة، وحكمهم أشدّ من حدّ العصاة المارقين الزنادقة، لكنهم ذهبوا مذاهب في فهم الأوامر والنواهي.
قال: وما العيب في الاختلاف؟ لا عيب فيه غير أنّ أنظمة طبائع الاستبداد مختلفة في أنماط تهميش الشعوب، ولكن كل واحد يجد من يطوّع له النصّ بحيث يبدو وكأنه هو الوحيد الذي هداه الله إلى نور الحق وعلم اليقين. قلت:عليك نور، ها أنتذا أدركت مقصدي، وقعدت مقعدي، وصرت بشعري منشدي. جوهر المبحث الذي فات القوم طوال القرون الخالية، هو أن النصّ دستور، وكل دستور يحتاج إلى أن يُبنى عليه برنامج عمليّ تطبيقيّ. معنى ذلك أن يوضع بمقتضاه نظام حياة مدنيّة، يستطيع التعايش بانفتاح على عالم مختلف العقائد والأعراق والمعاملات الدوليّة والغايات. هل تقول للعالم إنك الوحيد الناطق باسم الحق.؟ ستظل في ذيل العصر الحجريّ، إن عجزت عن إدراك الأسس المدنيّة التي تقوم عليها الحضارة الإنسانيّة. تلك الأسس هي اللبنات التي قام عليها بنيان الكون والحياة. هل نحن حقيقةً متجاوبون مع أهداف خلق الكون والحياة؟ إذا لم نكن نملك موادّ تشييد العالم (الفيزياء والكيمياء والأحياء)، فما هو مفهومنا للعلم؟ما هو فقهنا (أي فهمنا) لدور المسلم في الحياة؟
قال: إن المشكلة قديمة ولم يتسنّ للفقهاء المعاصرين تجديد حلولها.العبادات فرائض سلوكيّات تطهيريّة، تقويميّة، تهذيبيّة عليا، أمّا دور المخلوق ووظيفته ومسؤوليته وأمانته، فهي القضايا المركزيّة الكامنة في السؤال:لماذا خلق الإنسان في مرحلة متطوّرة جدّاً من انبثاق الكون قبل 13.7 مليار سنة؟ السلوكيات التنقويّة وسيلة، فما هي الغاية؟ للتقريب هي مثل التربية والتعليم أدوات تؤهل الفرد للنهوض بأعباء وظيفيّة والاضطلاع بمسؤولية، تلك الأمانة التي أبت السماوات والأرض والجبال أن يحملنها وحملها الإنسان، لأن مشيئة الخلق تعلم علم اليقين أن الكون لم يخلق باطلاً.
لزوم ما يلزم: النتيجة الضروريّة: نشأة الكون والحياة تنمويّة تطويريّة، كذلك يجب أن يكون فقه الحياة.

abuzzabaed@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى