مقالات عامة

بوتين المنتصر

حافظ البرغوثي

الأتراك يطلبون إذناً من الروس للدخول إلى سوريا وإضعاف القوة المتنامية للأكراد التي قام الأمريكيون بتسمينها وتسليحها في سوريا. العراقيون يطلبون ودّ روسيا في سعيهم للخلاص من الوجود العسكري الأمريكي المتبقي في بعض الجيوب من الأراضي العراقية، بحجة مقاومة «داعش»، لكنهم في الحقيقة يخططون لوجود دائم شرق الفرات لإيجاد تواصل جغرافي بين أكراد سوريا وكردستان العراق، ما يعني تهديد وحدة الأراضي العراقية بعد فشل مغامرة الانفصال التي دعمتها واشنطن ضمناً و«إسرائيل» علناً في كردستان، وكذلك تهدد وحدة الأراضي السورية لأن الوجود الأمريكي ما زال يسعى لخلق كيانية كردية في سوريا تحت غطاء مقاومة إرهاب «داعش» أو «القاعدة». فالإرهاب الداعشي والقاعدي رغم الاحتفاء بهزيمتهما في سوريا والعراق إلاّ أنهما ما زالا قيد الاستعمال وقت الحاجة لتكريس الوجود العسكري الأجنبي في البلدين.
في الأسابيع السابقة للاشتباك الجوي بين صواريخ سوريّة من العهد السوفييتي وطائرات «إسرائيلية»، حيث تم إسقاط «إف 16» قامت «إسرائيل» بحملة سياسية إعلامية ودبلوماسية للتعظيم من خطر إيران تمهيداً لشن حرب على لبنان و«إعادته إلى العصر الحجري» كما قال بعض قادتها بحجة قيام حزب الله ببناء مصانع لتطوير صواريخ أكثر دقة وأطول مدى مما لديه، وبحث نتنياهو الأمر مع الرئيس ترامب في مؤتمر دافوس، كما ناقشه مع الرئيس بوتين في موسكو وأطلعه على المعطيات الاستخبارية التي بحوزته عن الوجود الإيراني في سوريا ولبنان، واصطحب معه رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، بينما انهمك رئيس الأركان ايزنكوت ووزير الحرب ليبرمان في إطلاق التهديدات. ولم يأخذ بوتين تهديدات نتنياهو على محمل الجد، وكذلك فإن أوروبا تسعى لتعديلات طفيفة للاتفاق النووي بحيث يظهر الرئيس ترامب بأنه انتصر في معركته ضد الاتفاق لكنها ضد إلغاء الاتفاق. فالروس قالوا لنتنياهو، إنهم يرفضون أن يحدد نتنياهو جدول الاجتماع مع بوتين وإن بحث موضوع إيران يحدده الروس وليس المعلومات الاستخباراتية والتهديدات. ولذلك وقبل الاشتباك الجوي الأخير بيوم هدأت الحملة الإعلامية «الإسرائيلية» بالكامل وخلت الصحف من التهديدات والمعلومات.
لقد صعّد «الإسرائيليون» من لهجتهم بقوة، لدرجة خيّل للبعض أنهم على شفير الانقضاض على لبنان لكنهم اختاروا أهدافاً سوريّة وإيرانية في سوريا، وكأنهم أرادوا إرسال رسالة قوية للروس فقط، وجاء إسقاط الطائرة «إف 16» بصاروخ روسي قديم أطلقه السوريون ليؤكد مدى التعقيدات التي تعتري الوضع في سوريا وأن «إسرائيل» لا قبل لها في خوض حرب دون خسائر. فلم يعد القادة الغربيون والشرقيون يصدقون تهديدات ومعلومات نتنياهو لأنه اشتهر بالكذب.
محصلة الأحداث الأخيرة توحي بأن من يمسك الأمور ويحدد مسارها في المنطقة ليس إيران أو سوريا أو تركيا أو الولايات المتحدة بل الرئيس الروسي بوتين، حيث فهم ضمناً أن «إسرائيل» ترمي إلى اختلاق أزمات متلاحقة له في سوريا، لذلك ليس غريباً أن يسمح بوتين لإيران أن تدخل الأسلحة الضرورية إلى الساحة السورية عبر العراق وأنه سيدعم قواته ومستشاريه بشبكة صاروخية حديثة لأن بعض نقاط الوجود الروسي كانت منكشفة للطيران «الإسرائيلي»، كما أنه من المحتمل أن يزود النظام السوري بمعدات حديثة استباقاً لأية مواجهة. فالروس لا يرغبون في مواجهة شاملة بل مواجهات صغيرة مؤلمة تردع «إسرائيل».

hafezbargo@hotmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى