نوشو
يوسف أبو لوز
صادف، أمس، اليوم العالمي للغات الأم في العالم، أي اللغات المنقرضة أو تلك التي في طريقها إلى الانقراض، وكانت مناسبة للتجوال في «جوجل»، الذي دلنا على حقائق ومعلومات، ربما يعرفها القارئ للمرة الأولى، ففي الصين لغة منقرضة تسمى «نوشو» اخترعتها النساء في الحضارة الصينية القديمة؛ حيث كان يحظر التعليم عليهن، وتتوارث لغة «نوشو» من الأخت إلى الأخت ومن الأم إلى الابنة وهي لغة سرية لا يعرفها الرجل، وتتكتم النساء على هذه الأبجدية الخاصة بهن، وحين تموت المرأة تدفن معها كتابتها بلغة «نوشو».
بحثت في أكثر من مكان عن شعر نسائي أو أية أدبيات نسائية مكتوبة بهذه اللغة الأنثوية السرية، وكان من الطبيعي طالما أنها لغة المرأة الصينية السرية القديمة أن تجد مواقع إلكترونية مغلقة، وبالتالي لا معلومات حول وثائق هذه اللغة فقد تحرق في الحال.
قصة لغة «نوشو» محاطة بالغموض وهو الغموض الشعري أو الروائي الذي يمكن أن تبنى عليه نصوص أدبية جديدة، فالمرأة التي كانت محرومة من القراءة والكتابة اخترعت أبجدية سرية محملة بشيفرات لغوية حرم الرجل من معرفتها أو قراءتها بسطوته الذكورية الثقافية في زمن قديم كانت فيه المرأة «مخزونة» في ما يشبه الحجرات المغلقة المعتمة، لا بل كانت أيضاً تعاني عذابات وآلام حشو قدمها وهي طفلة في قوالب حديدية كي تظل قدمها صغيرة، وفي الصين قديماً كان صغر قدم الفتاة علامة من علامات الجمال.
الطريف؛ بل الغريب في اليوم العالمي للغات ما قرأته عن لغة تسمى «ليميرج» يتحدث بها شخصان فقط. لغة «شيميهوفي» يتحدث بها 3 أشخاص، والفضل في هذه المعلومات يعود إلى الموسوعة الحرة، التي تقوم أصلاً على «مركب لغات» تتسابق إلى تحميل محتواها الثقافي والتاريخي والحضاري في مكان إلكتروني كوني بكل معنى الكلمة.
في العالم اليوم لغات يتحدث بها من 4 إلى 10 أشخاص فقط، أما لغة «كيسكانا» في البرازيل فيتحدث بها 200 شخص.
من خلال القراءة عن اللغات المنقرضة أو تلك التي في طريقها إلى الانقراض نعرف أنها لغات قرى أي لغات مزارعين ليسوا في حاجة إلى الكثير من المفردات، ربما يكفي كلمات من مثل المحراث، الفاكهة، المرأة، الحصان، النبع، الريشة، الطائر، الزهرة.. وغير ذلك من المعجم القروي.
هل كانت اللغات المنقرضة لغات شعر بشكل خاص؟
سؤال مباغت؛ ولكن له ما يبرره؛ فاللغة هي ابنة أمكنتها وأزمنتها، والشعر ابن مكانه دائماً وابن زمانه؛ ولكن ألا يمكن أن تكون اللغات المنقرضة هي من صنيع النساء ومن إنتاج عزلاتهن المديدة في الحقل والبيت والهواء الطلق تحت الغيوم والشمس والرياح؟
المرأة واللغة.. أو المرأة بوصفها منتجة أو صانعة أولى للغة ثم المرأة والأبجديات.. قد تكون محاور عالمية إنسانية كونية في اليوم العالمي للغات الأم.. وما أجمل اقتران اللغة بالأم.. أو بالمرأة عموماً.. أليست هي أول من يسمع صرخة طفلها وهي بين الحياة والموت في لحظة أبدية خالدة هي لحظة الولادة؟؟
ثم، أليست اللغة هي الولادة والعبقرية والسر الجمالي الأنثوي كما هو الحال في «نوشو»؟؟
yabolouz@gmail.com