مقالات عامة

حواريّة حقيقة الإيمان

عبد اللطيف الزبيدي

قلت للقلم: ما لك حائراً؟ اليوم الجمعة، يوم السكينة على قلوب المؤمنين، وأنت ساهٍ ساهم واجم. قال: عندما يشعر أهل الإيمان في هذه الأوضاع بالطمأنينة، فذلك دليل على أن الدماغ صار طينة. قلت: كيف؟ قال: هذا هو الحيف والزيف. ما هي البراهين على فهم الإيمان؟
قلت: لعلّ بك مسّاً من العفاريت، أو ممّا تقدح الجنّ من الكباريت. ألا ترى في كل بلدة مئات الجوامع، تؤمّها الخلائق بالعيون الدوامع، والعبرات الهوامع؟ يأتون من كلّ فجّ عميق على كل جبهة زبيبة، طبعتها السجدات الحبيبة، فما هذه الشكوك، والناس تعبت من تسبيحهم الفكوك؟ قال: ههنا الإبهام والإيهام، وخطأ الأفهام، وخطل الأوهام. لماذا يظنّون أن الإيمان تدل عليه أماكن العبادة؟ بماذا تصف مدينة فيها عشرات المراكز للبحث العلميّ، ليس فيها أمّيون، أهلوها غير عاطلين من العمل، بيوتها غير متداعية وشوارعها نظيفة وبنيتها التحتية شامخة، وفيها جامع عظيم مترامي الأطراف، إذا كبّر الناس فيه صعد الهدير الطيّب إلى سدرة المنتهى؟
قلت: لا تعاتبهم بقساوة، فإنهم لم ينشأوا على أن الرياضيات والفيزياء والكيمياء والأحياء، التي خلق بها الله الكون والحياة، هي الأخرى عبادة، وأن التنمية الشاملة التي تطوّر حياة الأفراد والمجتمعات، والإنتاج العلميّ وتحديث مناهج التعليم، إنما هي في صميم الإيمان. لم يتلقّ هؤلاء المؤمنون دروساً سليمة في معنى الإيمان القويم، والمسؤولية الحياتية الحيوية التي يفرضها. ها نحن عدنا تلقائياً إلى مكرورة تجديد الخطاب الديني.
قال: القضية أخطر وأفظع. الأغلبية الساحقة المسحوقة من الشعوب المسلمة، متخلفة، ولا تدري أنها بتخلفها متطرفة. الشائع لدى العقول الواهمة هو أن المتطرفين هم أهل التكفير والعنف. هؤلاء بعيدون من الإيمان حتى يجوز لهم الإفتاء. الإيمان ليس لحية طويلة وكندورة أفغانية قصيرة وقطع رقاب. أن تحب الله هو أن تحب الارتقاء بمخلوقات الخالق باستثمار أدوات الخلق التي هي العلوم. كيف يصحّ الإيمان مع مجموعة أصفار في السياسة والتعليم والصحة والاقتصاد والبحث العلميّ والإنتاج والدفاع؟ كيف يردّد المؤمن: «ربّنا ما خلقت هذا باطلاً»؟ الأنظمة المستبدة جعلت دور شعوبها في النهوض والتقدم والحضارة باطل الأباطيل. أليس هذا تطرفاً؟ أليس عنفاً إزاء الأوطان تركُها فرائس مستباحة تنهشها الأطماع وتنهب ثرواتها؟ ما هي مظاهر الإيمان؟ ما معنى الإيمان إذا كان المؤمن أمّيّاً متخلفاً لا يعلم شيئاً من خلق الكون والحياة؟
لزوم ما يلزم: النتيجة التنزيهية: مفهوم خلق الكون تنمويّ من انفجار الطاقة المطلقة إلى حياتنا اليوم. طاعة الله الإيمانية يجب أن تسير في هذا الاتجاه.

abuzzabaed@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى