لفائف
يوسف أبو لوز
كانت الكتب في الماضي عبارة عن «لفافات» كل «لفافة» هي كتاب مطوي ومربوط بخيط، تماماً، مثل اللوحة التشكيلية المرسومة على القماش.. يمكن طيها وربطها، ثم فكها بعد ذلك وفردها بين إطارات أربعة، وتعلق على جدار.
الكتاب المطوي، أو الكتاب الملفوف ظهر قبل ظهور الطباعة ومما يعجب له كثرة اللفافات= الكتب في العصور القديمة.
يقول د. ألكسندر ستيبتشفيتش في كتابه الذي لا غنى عنه في أي مناسبة نتحدث فيها عن الكتب والكتابة والقراءة.. يقول.. «.. نجد لدى كتّاب العصر القديم معطيات متنوعة حول عدد الكتب (اللفافات).. وهكذا يذكر مثلاً يوهانس تزتزس أنه في النصف الثاني للقرن الثالث قبل الميلاد كانت المكتبة الرئيسية (البروكيوم) تحوي 490 ألف كتاب (لفافة) بينما المكتبة الفرعونية (السيرابيون) تحوي 42.800 ألف كتاب (لفافة).
يشير مؤلف الكتاب د. ألكسندر أيضاً أن مكتبة الإسكندرية كانت تحوي في عهد البطالمة 700 ألف لفافة أي كتاب..
هنا أمران لافتان أن صناعة الكتاب في ذلك الزمن الذي يعود إلى ما قبل الميلاد كانت تقوم على لفائف من ورق البردى أو ورق له خاصيات يعرفها وراقو ذلك الزمان من حيث حفظ الحبر وجفافه ودرجة غمقه وكثافته، وهي أمور صناعية حرفية كان لها أصحابها.. وما أجملهم من أصحاب قدامى..
الجلود أيضاً كانت ورقنا الأول.. ذلك الورق الجلدي المغسول والمدبوغ والمجفف بالشمس والملح.. لفائف جلدية يشتغل عليها نسّاخون وخطاطون ليس بالضرورة أن يكون خطهم جميلاً، بل المهم أن يكون مقروءاً.
«لفائف» زمان لها رائحة صباغ الرمان الذي من ضرورات مهنة الدباغة، وكان النسّاخ أو الخطاط هو الرفيق اليومي للدباغ في سوق الكتاب الملفوف.
تقرأ هذه المعلومات في «تاريخ الكتاب» للدكتور ألكسندر،=.. ولم أستخدم اسمه الثاني الطويل والمتعب للقارئ..= وقد تطرأ عليك فكرة قصيدة، بل، وحتى فكرة رواية أشخاصها النسّاخون والوراقون والدباغون قبل آلاف السنوات الذين كانوا يقيمون بينهم شراكة «اقتصادية ثقافية» هي صناعة الكتاب الملفوف.
المخطوطات أيضاً لفائف.. كتب مطوية مكتوبة بأقلام خطاطين ونسّاخين وضعوا أرواحهم في الكتابة، والحبر بالنسبة إليهم ماء الكتابة، بل، ماء الحياة.
اليوم، وعلى سبيل تقليد ومحاكاة الماضي.. أو استعادة بكريته وطفوليته.. هل تقدم دار نشر عربية على إصدار كتب على شكل «لفائف» بأقلام نسّاخين وخطاطين؟
فكرة عفوية وسريعة أيضاً، ولكن ناشراً جريئاً في قلبه شاعر يمكن أن يأخذ بها ويغامر من دون حساب لمعادلة الربح والخسارة.
ثم.. ألا تنطوي هذه الفكرة العفوية السريعة على فكرة أكبر وهي إحياء المخطوطة العربية التراثية، وإحياء مهنة الخطاط والنساخ في زمن يتوحش فيه خط الكمبيوتر الآلي الجاف وكأنه يجبرك على الطباعة السهلة والعابرة.. فيما كانت قبل الميلاد آلاف اللفافات التي لو ظهرت الآن في وقتنا هذا لكانت تعادل الملايين من العملات الصعبة.
.. الصعب، على الأقل، هو ألّا تتخيل.
yabolouz@gmail.com