الدول الصغرى واستراتيجية التحالفات
د. ناجى صادق شراب
التحالفات السياسية هي أحد أبرز مظاهر إفرازات العلاقات الدولية بعد الحرب العالمية الثانية، وهي خيار ارتبط بنشوء الدولة القومية منذ «مؤتمر وستفاليا» عام 1648، وترتبط التحالفات بالتفاوت في عناصر القوة المتاحة والممكنة للدول، وبحثاً عن أمن لا تستطيع الدول منفردة تحقيقه في حال وجود تهديدات مشتركة. وكما هو معلوم في أدبيات السياسة الدولية، فإن النظام الدولي بعد الحرب العالمية الثانية كان ثنائي القطب، ما أدى إلى الحرب الباردة، وقد تأسس على فكرة توازن القوى بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق.
وقد عرّف مورجانثو أحد رواد مدرسة القوة في العلاقات الدولية، الأحلاف بأنها تعبير عن توازن القوى. وفي هذا الإطار ترتبط دول التحالف بمصالح مشتركة تستند على الخوف من الدول الأخرى الأكثر قوة. أما والت ستيفن، وهو من رواد هذه المدرسة أيضاً، فرأى في الأحلاف نتيجة لتوازن التهديد. فالمحرك الأساسي للدولة القومية هو عنصر البقاء والأمن. وهذا الدافع قد يقف وراء تفسير السلوك السياسي لكل الدول صغيرة أو كبيرة. ويرى بعض الكتّاب أن الأحلاف يمكن أن تستمر دون وجود هذا التهديد بشكل مباشر كما كان الأمر بعد الحرب الثانية بالنسبة لحلف الأطلسي، الذي ما زال قائماً، وحلف وارسو، الذي تفكك مع تفكك الاتحاد السوفييتي.
وتثار تساؤلات كثيرة حول الأحلاف وخيارات الدول: لماذا تشكل الدول الأحلاف؟ ومتى تتشكل ؟ وما حجمها ؟ ولماذا يتم حل الأحلاف أو الخروج منها؟ وما منافع وتكاليف الانضمام للإحلاف؟
والسؤال الذي يعنينا هنا، هل تستطيع الدول الصغرى أن تمارس أمنها داخل منظومة الأحلاف التي تشارك فيها؟ وهل يمكن لهذه الدول أن تشكل فاعلاً رئيسياً لا يمكن الاستغناء عنه؟ وما طبيعة علاقات الدول الصغرى بالدول القوية أو المحورية؟
فيما يخص الدول الصغرى، فإن قرار الانضمام لأي حلف إقليمي أو دولي يعتمد على المنافع مقابل خسائر الانضمام، بمعنى هل الأخطار القائمة حقيقية، وتساوي حجم التكاليف التي تدفع؟ وهل تستحق المخاطر الأمنية التخلي عن قراراها المستقل للحليف الذي يقدم خدماته الأمنية، وقد تكون غير حقيقية، ومن ثم تفقد الدولة الصغرى الكثير من قدراتها المالية وشخصيتها السياسية؟
إن جوهر أي حلف يقوم على تعهدات مشتركة؛ باستخدام القوة العسكرية ضد دولة غير عضو توجه تهديداً لإحداها، أو استخدام أراضيها. وتلتزم الدول الأعضاء بتقديم كافة التسهيلات؛ لاستخدام القوة العسكرية ضد الدولة المعتدية. والإشكالية الكبرى التي تواجه الدول الصغرى هنا، أن الدول الكبرى والقوية قد لا ترى ما لا تراه الدول الصغرى من تهديدات، وهنا قد تجد الدول الصغرى نفسها في نزاع أو حرب ليس لها مصلحة فيها، وقد تجر الدول الصغرى إلى حرب الكبار الذي تدفع ثمنه من سيادتها وقراراها وأموالها. وخطورة خيار الأحلاف أنه كلما زاد الاعتماد عليها، فإن التبعات والنفقات والتعهدات ستزيد، كما ستزيد درجة المخاطرة.
وأمام هذه المخاطر ما البدائل والخيارات أمام الدول الصغرى؟ أحد هذه الخيارات خيار الحياد والنأي بالنفس عن الانغماس في الصراعات والحروب التي تكون فيها الدول الكبرى هي المحرك. فالدول الكبرى تحتاج في حروبها وصراعاتها لتعويضات مالية كبيرة قد تجدها لدى الدول الصغرى القادرة. ومن الخيارات البديلة المتاحة أمام الدول الصغرى التمسك بسياسات الشرعية والقانون الدولي الإنساني، الذي يمنحها سياسة متوازنة بعيدة عن الانغماس في سياسات صراع القوى.
من أهم الخيارات التي يمكن للدول الصغرى والقادرة منها العمل على تفعيل دورها؛ إذ إن هذه الدول تتمتع اليوم بنفس القوة التصويتية، التي تتمتع بها الدول الكبرى في المنظمات الدولية، ومن شأن هذا الخيار أن يخلق ما يمكن تسميته بالتوازن التصويتي مقابل توازن القوى الذي تتحكم فيه الدول الكبرى أو دول القوة. والبديل عن سياسات الأحلاف المكلفة يكون بإقامة علاقات متوازنة على المستوى الثنائي مع دول القوة الإقليمية والدولية. وتفعيل سياسات الأحلاف الإقليمية على مستوى الإقليم، الذي تنتمي إليه الدولة الصغرى كالمنظمات الإقليمية مثل الجامعة العربية على ضعفها، ومنظمة الوحدة الإفريقية، ومجلس التعاون الخليجي وغيرها من المنظمات الدولية الإقليمية التي توفر إطاراً واسعاً من الحركة السياسية، وتخلق قوى إقليمية تواجه سياسات الأحلاف، التي تتحكم فيها الدول الكبرى، ومن ميزاتها أنها أقل كُلفة ولا تفقد الدولة معها سيادتها واستقلالية قراراها.
drnagishurrab@gmail.com