مبتدأ العنف وخبره
خيري منصور
لم تكن واقعة فلوريدا المروعة التي ذهب ضحيتها ما يقارب العشرين من الطلاب استثناء في التقاويم الأمريكية، فهي مسبوقة بفصول عديدة أنتجها العنف المسلح.
لهذا فإعادة السبب دائماً إلى اقتناء الأسلحة هو أقرب إلى التسطيح والاختزال، لأن الأهم من زناد السلاح هو الإصبع البشري الذي يضغط عليه وثقافة العنف التي تسود في الولايات المتحدة تحول حتى النَّاي إلى عصا، وسكاكين مطاعم الستيك إلى سواطير للذبح. لهذا لابد لمعالجة هذه الظاهرة من التناغم المنهجي بين الحد من ثقافة التوتير والعنف واقتناء الأسلحة، ومن أهم مصادر ثقافة العنف إضافة إلى المشاهد التي تبثها الميديا على مدار الساعة أفلام سينمائية وروايات، لها أبطال أسطوريون كأنهم من كواكب وأزمنة أخرى، وهذا بحد ذاته يدفع جيلاً بكامله إلى المحاكاة وتحقيق الذات من خلال متنفسات غير مشروعة، أما وصف من يمارسون هذا العنف بأنهم مختلون عقلياً، فهو أيضاً بمثابة تبرئة الذات من المسؤولين، لأن الاختلال العقلي لا يكون بمثل هذا التعاقب، اللهم إلا إذا كانت التربويات السائدة هي من الأسباب التي تؤدي إليه.
والفترة التي شهدت أفلام «رامبو» و«السوبرمان» ومن يدعون القوة الخارقة ساهمت في انحراف جيلين على الأقل، وضاعف من ذلك رواج ألعاب للأطفال بها تحريض على الحرب والصراع.
وما تردد في كل المناسبات التي شهدت أحداث عنف في أمريكا على ألسنة الرؤساء المتعاقبين هو تكرار لم يترجم من القول إلى الممارسة للحد من تسويق الأسلحة، لأن جملة العنف تبعاً لهذا التصور مبتدأ بلا خبر، فإذا كان الخبر هو الجرائم التي يذهب ضحيتها عشرات وأحياناً مئات الأبرياء، فإن المبتدأ المحذوف والمسكوت عنه هو ثقافة العنف والنماذج فوق البشرية التي تسوّقها ميديا تعاني خللاً في بوصلتها الأخلاقية!