خميسيات اللهجات: المغربية
عبد اللطيف الزبيدي
لماذا يتكلم المغربيون لهجتهم المميزة؟ لكل لهجة دعائم تقوم عليها: مفرداتها، نحوها وصرفها، تراكيب جملها ونبرات نطقها. في المغرب الأقصى، النبرة الأمازيغية هي الغالبة بامتياز على نطق العربية، حتى فصحاء «الضاد» هناك، فنظام مخارج الأصوات هو المايسترو.
ثمة اشتباكات نطقية عصية على فك الارتباط أحياناً. من بينها الثلاثيات «قمر»، بحر…«التي تبتدئ بساكن وتنتهي به، لدى المغاربيين جميعاً. تلك الجغرافيا سادها الكنعانيون (الفينيقيون) الذين كانت لغتهم الآرامية، وقد رأينا أثرها الكبير في اللهجة التونسية. الأمازيغية بدورها تبدأ بالساكن. خلافاً لما يتوقعه الباحث، كان تأثير الآرامية (السريانية) في لهجة المغربيين لافتاً. في حوار مع طه حسين(اليوتيوب) يروي عميد الأدب بدعابة، أنه، حين دعي إلى المملكة المغربية، لم يفهم كلمة «ديالك» (خاصتك، متاعك) الشائعة في استعمال الأشقاء. غاب عن أستاذنا الكبير أن الآرامية حاضرة بنحوها وصرفها في تلك الديار. سيضع القلم السريانية بين قوسين: بيت ديالي (بيتو ديل)، بيت ديالك (بيتو ديلوخ)، بيت ديالها (بيتو ديلوه).
أهل الشمال الإفريقي لا يحبون همزة القطع، حتى أل التعريف تبدو لهم كأنها كذلك: الأمين، لمين.الحبيب، لحبيب. الحصان، لحصان. المغربيون، كالمصريين واللبنانيين، ليس لديهم حروف ما بين الأسنان (الثاء والذال والظاء)، إلا أن الظاء عندهم ضاد فالظلام ضلام، كأنها دال مفخمة. الثاء تاء والذال دال. تأثير الأمازيغية في نطق اللفظ العربي طريف، فالماء في تلك اللغة جمع لا مفرد له، ومثله أغلب السوائل، فتسمع السقاء ينادي: «ها الماء باردين». المنادى في اللهجة المغربية معرفة تأثراً بالأمازيغية: آ الرجل، يا رجل،
آ لمرة، يا امرأة. أما النكرة فيضاف إليها «واحد» قبل المفردة المعرفة بأل: «شفت واحد الرجل»، رأيت رجلاً، ما يذكرنا بالنكرة في التركية «بير قز» (واحدة فتاة)، «بير جوجو» (واحد عصفور بلغة الأطفال).
في كل المغرب العربي يرخمون الاسم العلم، تأثراً بالأمازيغية، ولكل بلد طريقته في الترخيم. المغرب: عبدالقادر، عقا. عبدالرحمن، رحو. عبدالله، عبو. فاطمة، طامو. أما تونس: عبدالرحمن، دحمان. عبدالله،دلة (بدال مفخّمة).محمد، حمة. فاطمة، مامة. إضافة الواو والشين إلى اسم العائلة أو الطفل دلالاً أو حناناً، موجود في المغرب ومصر: عمروش لعمر وعمرو، حمدوش، لأحمد. الأفعال المبنية للمجهول في العربية، خضعت للقاعدة الصرفية الأمازيغية، وهذه عامة في المغرب العربي، تضاف إلى أول الفعل تاء: تباع، بيع. تبنا، بني.تضرب،ضرب.تغسل،غسل. نختم بالظاهرة النطقية التي تحير أهل المشرق دائماً، حين يسمعون الكثيرين من المغاربيين يخاطبون الرجل بخطاب الأنثى، يقولون للسيد أنت.السر هو أنه في الأمازيغية لا فرق بين المذكر والمؤنث في الفعل الماضي في الخطاب: جيت، مشيت، بكيت، ضحكت. ثناء القلم جم على الأستاذ محمد شفيق في معجمه الصغير الرائع: «الدارجة المغربية، مجال توارد بين الأمازيغية والعربية».
لزوم ما يلزم: النتيجة الفنية: لهجاتنا العربية قطع فسيفساء، وهي بهذا لوحة رائعة.
abuzzabaed@gmail.com