الأريكة
يوسف أبو لوز
يقرن كثير من الكتّاب المصريين ما يطلق عليه «حزب الكنبة» بالحراك الشعبي في ميدان التحرير قبل سنوات في القاهرة، ولكن هذا الحزب الصامت.. حزب الأقلية الصامتة موجود في مجتمعات العالم كله.
«الكنبة».. كما تعرف هي الأريكة، وهي تحديداً الأريكة المقابلة للتلفزيون، ومشاهدة التلفزيون هو وقت هذا الحزب الذي ليس له زعيم أو أمين عام ولا يقوم على أي فكر سياسي أو أيديولوجي، والأرجح أن أعضاءه كسالى بامتياز، ولا يذهبون إلى صناديق الاقتراع، وفي الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من 90 مليون ناخب أمريكي لا يصوتون كما تقول الموسوعة الحرة.
لنشتق هنا الآن اسماً آخر لهذا الحزب ولنقل إن «الكنباويون» لا شأن لهم بالتظاهرات حتى تظاهرات الطحين والخبز، وكل ما في الأمر الاستلقاء على الأريكة والثرثرة ومشاهدة التلفزيون وأكل الفشار.
ليسوا هؤلاء هكذا دائماً وبهذه السلبية وهذا الحياد؛ بل لهم تعليقاتهم على الأحداث، التي تجري في بلدانهم، ومصر تحديداً بلد النكتة يجيد «الكنباويون» صناعة الضحك، ومصر أكثر بلد في العالم تنتج النكتة السياسية بشكل خاص أكثر مما تنتج الأرز.
الكنباويون موجودون أيضاً في لبنان والسودان والمغرب وحتى في البلدان التي يتحكم فيها الحزب الواحد مثل العراق وسوريا، والآن حزب البعث على سبيل المثال مات في بغداد ويحتضر في دمشق، وفي دمشق تحديداً أو في سوريا عموماً يستطيع أحدهم القول إنه لا يوجد في البلاد «حزب الكنبة» لأنه لا توجد أصلاً بيوت للكنبايات وحتى البشر.
هل «الكنباويون» ساخرون حتى من أنفسهم.. ربما كانوا كذلك، ولكنها على أية حال ظاهرة عربية لم يعاينها علماء الاجتماع، وإذا أردت أن تقرأ هذه الظاهرة جيداً قم بتحييدها تماماً عن كل ما هو سياسي أو مسيس، واقرأ «الكنباويين» الكسالى المسترخين من الظهيرة إلى ما بعد منتصف الليل أحياناً من زاوية الشعور الفادح ب «اللامبالاة» والبرود.. وحتى اليأس.
جرّ الكثير من السياسيين والطائفيين وأصحاب المذهبية الضيقة والطغاة الصغار والكبار.. القدامى والجدد حياة الناس إلى التيه والعقم والدوار لينكمش الإنسان على ذاته وفي ذاته.. يتكور في الكنبة ويأخذ جسده بالتكيف من القماش والخشب والإسفنج، حتى يصبح الكائن البشري شيئاً من الإسفنج يمتص ثم يمتص إلى أن يتشبع، فيصبح ثقيلاً، ويترك في كنبته تجويفاً في مثل مساحة جسده، وهو يحدق في التلفزيون الذي ينقل له الخبر العاجل يومياً وبانتظام، وأخيراً يتطبع مع الخبر اليومي الذي يصبح في منتهى العادية والتكرار.. ثم ومع هذا البلاء الذي هو التكرار يصبح الإنسان «شيئاً».. يصبح حجراً، أو خشبة، أو أريكة.
yabolouz@gmail.com