الإعلام في حالة طوارئ
مارلين سلوم
مرة جديدة يلح علينا السؤال: «رقابة أم لا رقابة على الإعلام؟». ما يدفع بنا لطرح هذه القضية أكثر من مرة، هو حال بعض الفضائيات التي سمحت لنفسها بالوصول إلى القاع مستخدمة شتى أنواع المخالفات، ببرامج ومذيعين لم يتحلوا بالمسؤولية، ولم يروا في مهنة الإعلام سوى وسيلة للشهرة.
المفروض أن يكون الإعلام سيد قرار نفسه، والرقيب الأول على ضميره ولسانه وقلمه، ويعرف كيف يوجه بوصلة أفكاره، وما الوسائل المباحة والمسموح استخدامها لإيصال رسالته إلى الناس. والمفروض أيضاً، أن يتحلى بقدر كبير من الحرية ليستطيع أداء مهمته في تناول القضايا المهمة، خصوصاً في البرامج التلفزيونية التي تترك أثراً كبيراً في الناس، وتصل إلى شرائح واسعة ومتنوعة حول العالم.
هذا «المفروض» يسقطه البعض من حساباتهم من أجل تحقيق «ضجة» إعلامية، وبدل أن يكون المذيع (أو المذيعة) هو الوسيط بين المسؤول، أو الحدث وبين الناس، يجعل من نفسه الحدث، ويتحدث باسمه، ومن وجهة نظره، ويصبح هو محور البرنامج والحلقة، و«النجم» الذي يتباهى بالكلام الموصول من دون انقطاع ولأكثر من ساعة على الهواء.
حين تصل الأمور بالبعض في مصر إلى التخلي عن القيم وأصول المهنة، نسمح لأنفسنا في المقابل بالقبول بفكرة وجود رقابة على الإعلام المرئي. وحين يصل الحال بالبعض إلى استغلال التلفزيون لتمرير شائعات سياسية، والتلاعب بعقول الناس، والترويج للأفكار السمومة، عندها يصير للقضاء الحق في التدخل، والتصدي باسم القانون للمخالفين، وضبط قواعد البث والمشاهدة.
قرار المستشار نبيل صادق، النائب العام، بمتابعة وضبط وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي التي تبث الأكاذيب والأخبار غير الحقيقية في مصر، مقبول اليوم، في ظل هذه الفوضى والبلبلة التي يسببها البعض، أو يسمح بأن يكون طرفاً فيها، عن قصد أو جهل. مقبول ومطلوب، لأن الإعلام دخل في حالة طوارئ، بعدما أصبح الوسيلة الأولى لإشعال فتيل الحرب داخل أي بلد.
الشاشة ليست منصة استعراضية، والمتربصون بالأوطان والساعون إلى التلاعب بعقول الناس وتمرير رسائل كاذبة يعلمون جيداً مدى تأثيرها في الناس، فيستغلونها للتأثير في الرأي العام، ونشر الذعر، أو القلق، أو الفوضى، وطمس الحقائق. ووسائل التواصل الاجتماعي تدعمها بتأمين سرعة الانتشار الكبرى، والوصول إلى كل الفئات والمجتمعات بلحظات. لذا لم يعد سهلاً التمييز بين الخبر الصحيح والمفبرك، والحروب الإعلامية مشتعلة بقوة، وما علينا إلا الاحتكام إلى العقل والإحساس بالمسؤولية المهنية والوطنية والإنسانية، فلا يكون الإعلام بوقاً للبعض، ولا منصة عرض عضلات للبعض الآخر، ولا لعبة متروكة بين أيدي إرهابيي الفكر والساعين إلى إحكام سيطرتهم على الناس بأبشع وأرخص الوسائل.
marlynsalloum@gmail.com